رغم الوعود المتكررة لمسؤولين بحكومة الانقلاب باقتراب تعافي الجنيه المصري خلال المرحلة المقبلة، فإن رفع سعر الدولار في الموازنة الجديدة (2018- 2019) إلى 17.25 جنيها، بعد أن كان 16 جنيها في موازنة العام الحالي، يعد مؤشرا للفشل في تحقيق تلك الوعود، حسب اقتصاديين.
وبينما كان تقدير حكومة الانقلاب لسعر الدولار في الموازنة الحالية متوقفا عند 16 جنيها، تراوح سعره في البنوك وسوق الصرف الرسمية بين 17.60 و18.00 جنيها.
وشهد العام سلسلة إجراءات قاسية للحد من الاستيراد؛ أدت إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع المستوردة.
ودفع ذلك إلى توقع محللين وخبراء -مع إعلان حكومة الانقلاب عن رفع جديد في سعر الدولار- استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام سعر العملات الأجنبية، كما الحال في ظل الموازنة الحالية، خاصة مع تتابع الإعلان عن اقتراب اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية جديدة واستكمال رفع الدعم بشكل كامل.
ومن المنتظر أن تشهد مصر زيادة لاحقة في أسعار تذاكر مترو الأنفاق والمواد البترولية والكهرباء مع بداية العام المالي الجديد (2018-2019) تنفيذا لأجندة صندوق النقد الدولي لمنح حكومة الانقلاب باقي شرائح القرض البالغ 12 مليار دولار.
ويرى مراقبون أنه رغم استقرار سعر الدولار خلال الفترة الماضية، فإن رفع سعره بنحو جنيه وربع الجنيه في تقديرات حكومة الانقلاب لموازنتها الجديدة؛ يأتي متوافقا مع تقديرات وكالة "ستاندرد آند بورز" بأن الجنيه المصري سيضعف أمام الدولار بصورة كبيرة خلال المرحلة المقبلة.
فشل متوقع
ويرى أستاذ التمويل والصيرفة الإسلامية أشرف دوابة أن فشل حكومة الانقلاب في وعودها باستعادة عافية العملة المحلية كان أمرا متوقعا وبديهيا لاستمرار مسببات تدهور قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، حيث لا موارد دولارية كافية تغطي الاحتياجات المطلوبة.
وربط في حديثه انخفاض قيمة الجنيه في الموازنة المقبلة بالسياسة الاقتصادية التي تنتهجها حكومة الانقلاب من جانب حرصها على الوفاء بشروط صندوق النقد الدولي، التي ستتمخض -حسب رأيه- عن المزيد من التضخم وارتفاع الأسعار، حتى وإن حاولوا إظهار خلاف ذلك عبر التلاعب بالأرقام.
وأشار دوابة إلى أن هذا الارتفاع سيؤدي إلى تضاعف الغلاء المتوقع خلال العام المالي الجديد، تزامنا مع القرارات الاقتصادية القاسية التي أعلن مسؤولون في حكومة الانقلاب اتخاذها خلال النصف الأول من العام المالي المقبل، وهو ما سيؤدي إلى رفع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق.
ويرى أن جميع ما تقدمه حكومة الانقلاب من وعود ومبشرات اعتمادا على بعض الأرقام المضللة يأتي ضمن سياسة تجميلية لا تعكس الواقع الاقتصادي المتأزم، وتشير بشكل واضح إلى أن الانقلاب لا يسعى لإنجاز نمو اقتصادي حقيقي.
من جهته، يرى رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاقتصادية أحمد مطر أن هذا الخفض سيكون محدود الأثر إذا نُظر إليه بشكل مستقل، كونه يشير إلى تحرك لن يتجاوز 8%، إلا أن تزامنه مع حلول موعد سداد قروض خارجية سيفاقم تأثيره، ويدفع إلى مزيد من ارتفاع في سعر العملة الأجنبية أمام الجنيه المصري.
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أنه لو أصر أصحاب الديون الخارجية ممن لهم حق تحصيل ديونهم خلال الأيام المقبلة، فإن ذلك سيضع حكومة الانقلاب موقف لا تحسد عليه، لكن إذا جرى ترحيل جانب من تلك الديون فسيكون الأمر بمثابة قبلة حياة مؤقتة.
وعود حالمة
ووصل دين مصر الخارجي إلى 79 مليار دولار في يونيو/حزيران 2017، مقابل 55.8 مليار دولار في الشهر نفسه من 2016، في حين توقعت مصادر بمالية الانقلاب أن يتخطى حاجز 120 مليار دولار نهاية العام المالي المقبل، لافتة إلى أن مصر ملتزمة بسداد أكثر من 12 مليار دولار خلال 2018.
ويعتقد مطر أن جميع المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن ما تقدمه حكومة الانقلاب من وعود إيجابية هي "حالمة" ومتجاوزة في التفاؤل، ويصعب تحقيقها مع استمرار السياسة الاقتصادية المرتبكة.
في المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن هذا القرار "شكلي" رغم ما يقدمه من مؤشر على احتمال ارتفاع أسعار السلع المستوردة خلال الفترة القادمة، معتبرا أن المحدد الأساسي لأي ارتفاع في الأسعار مرجعه الحقيقي سعر الدولار الجمركي الذي يخضع للتغيير من شهر إلى شهر.
وقلل عبد المطلب في حديثه للجزيرة نت من تداعيات خفض حكومة الانقلاب سعر الجنيه، حيث يرى أن بنود الموازنة تقديرية وليست فعلية، ويأتي غالبا الحساب الختامي مخالفا لها بنسبة كبيرة.
وحسب بيانات حكومة الانقلاب المعلن عنها، فإن حجم الإنفاق المتوقع في موازنة السنة المالية القادمة 2018-2019 سيبلغ تريليون و420 مليار جنيه (80.5 مليار دولار) بينما تبلغ الإيرادات 990 مليار جنيه (56.1 مليار دولار) بعجز يبلغ نحو 25 مليار دولار.

