حازم سعيد :
الأحداث التى تعرضت لها بلدنا مصر الليلة الماضية وما زالت بعض آثارها تتداعى إلى الآن تثير مجموعة من الأسئلة والوقفات ..
أولاً : هو أمر دبر بليل ، فتسارع الأحداث وتزامنها وارتباطها فى جميع المناطق المشتعلة ، يوحي بنوع من الفتنة المنظمة - أو على غرار الفوضى الأمريكية : الفتنة الخلاقة - وهو ما يذكرنا بأحداث واقعة الجمل ، ويذكرنا بأحداث امبابة ويذكرنا باقتحام السفارة الإسرائيلية الشهر الماضى ، وكلها أمور تصب فى خانة الفوضى التى حذر منها المخلوع حين قال : " أنا أو الفوضى " .
ثانياً : أما من يدبر الفتنة ففتش عنهم في خانة المستفيد من الأحداث ، سواءاً خارجي أو داخلي ، فأما الخارجي فمنهم المنظمات القبطية المشبوهة والتى ترغب فى تدويل قضية مصر وتصوير الأقباط المصريين على أنهم فئة مضطهدة يتطلب الأمر من الخارج الأمريكى والأوروبي التدخل فى مصر لنصرتهم .
والصهاينة الذين لا يرغبون فى استقرار مصر بأي صورة ، لأنهم يعلمون خطورة ما فى استقرار مصر على أمنهم وكيانهم الغاصب .
وأما الداخل ، فكل من يرغب فى إحداث قلاقل ينجم عنها تأجيل الانتخابات وجر البلاد لحالة من الفوضى تستدرج الجيش للبقاء فى الحكم ، وعدم دخول مصر للكيان الديمقراطي لما قد يسفر عنه من وجود الإسلاميين ككيان فاعل فى البلاد .
وبناءاً على هذا فعد فلول الحزب الوطني الذين يدركوا أنهم لم يعد لهم لا ناقة ولا جمل فى هذا البلد حتى ولو لم يطبق عليهم قانون الغدر أو العزل السياسي حيث لم يتبقى لهم رصيد - أي رصيد - بين الناس ، وعد معهم مجموعة غير قليلة من العلمانيين ومجموعة أخرى من متطرفي الكنيسة على رأسهم ذلك الذى قاد المظاهرات وهدد وندد ولوح بصيحات التحذير لرئيس المجلس العسكري ، وهى اللهجة التى لم يكن يستخدمها فى العهود السابقة ضد رأس النظام الخانع لهم ولابتزازهم ، وما كان له هذا التهديد إلا بما يشعر به من دعم أجنبي مشبوه .
وأقرب ملامح هذا الدعم ما حذرت منه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون المجلس العسكري بمجرد وقوع الأحداث من تفاقم الأوضاع والضغط على الأقليات المسيحية ، وعرضها التدخل بقوات أمريكية لحماية دور العبادة المسيحية ، فى تدخل فج فى شئون مصر وتلويح بالدعم لمتطرفي الأحداث الأخيرة .
ثالثاً : لا نستطيع أن نطلق على الأحداث أنها فتنة طائفية ، بل هى فى الحقيقة احتقان طائفي أحادى من جانب عنصر تعرض لشحن طائفي رهيب وهم " المسيحيون " ، وأحداث أسوان لا تستدعى برمتها كل هذه السخونة - إلا إذا صادفها تهييج غير مسبوق - وهى ليست خناقة بين طرفين ، بل هي توتر وتعصب وتهور من قبل أطراف لا تدرك خطورة ما تمر به البلاد من مرحلة انتقالية .
رابعاً : تقودنا هذه النقطة لفتح الملف الشائك ، وهو ملف ما يتعرض له المسيحيون من عمليات شحن وتهييج واحتقان على يد ثلة لا تدرك خطورة الهوة السحيقة التى يقودون إليها إخوانهم ، بل مصر كلها .
فما هى المناهج والأفكار التى تتداول فى الأجواء والمناخات المسيحية ، وتعطيهم هذا الانطباع غير المسبوق من الاضطهاد ، وما هو دور القنوات الفضائية المسيحية فى تهييج المسيحيين ؟ ، وأين دور عقلاء المسيحيين إزاء هذا التهييج ؟ كلها نقاط تحتاج إلى وقفات .
خامساً : مثله وسواءاً بسواء ملف السلاح الذى ضرب أبناء الجيش والشرطة من قبل متظاهرين ، وكيف وصل ليدهم هذا السلاح ؟ خاصة فى جو طائفى مشحون مثل الذى يتعرضون له ؟ من الذى وفر لهم السلاح ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ ولماذا يخرجون فى مظاهرات مطالبة ببعض الحقوق بمثل هذا النوع من السلاح الذى يقتل ؟ وذاكرة الأيام لا تنسينا سفينة الأسلحة المملوكة لابن مسيحي مشهور بتدينه وعلاقته القوية بالكنيسة فى العام الفائت ، وكثيراً ما حذر من مثل هذا العقلاء والمخلصون لهذا البلد .
سادساً : المظاهرات القبطية أظهرت انتهازية القيادة الكنسية المتطرفة والتى لم تدرك خطورة المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد حين يلوحون بمطالب فئوية ضيقة فى غير أوانها ، هذه القيادة الانتهازية حاولت ما كانت تحاوله أيام النظام البائد باستدراجه والضغط عليه بأوراق متنوعة ، بين أقباط المهجر تارة ، والتلويح بالتدخل الأجنبى تارة ، وبفتن داخلية تارة ثالثة ورابعة ، وهو ما يعكس غباء هذه القيادة ، حيث لا تعلم أن السحر ينقلب على الساحر ، وتبين أنهم لم يستوعبوا درس إمبابة ، ولم يعلموا أن عجلة الزمان دارت ، وأن النظام البائد لن يعود بإذن الله أبداً لحكم مصر ، ولن يعود بالتالى ما كانوا يمارسونه من ابتزاز .
سابعاً : الملف القبطي يتأكد يوماً بعد يوم أنه ليس ملفاً أمنياً ، وإنما هو ملف اجتماعي سياسي من الطراز الأول ، وينبغى عندما نتداوله أن نبتعد به تماماً عن الحلول الأمنية - إلا فى أضيق الحدود - ، وهو ملف يستلزم من الاجتماعيين والسياسين والعلماء أن يلتفتوا للخراب الذى أحدثه النظام البائد والفتنة التى استخدموا هذا الملف - دائماً - لصناعتها بدءاً من نهاية عهد السادات وعلى مدار الثلاثين سنة الماضية .
ثامناً : ينبغى حين نتعرض بالمساءلة القانونية ألا نكتفي بهؤلاء الثلة المغرر بهم من المخدوعين والمغسول مخهم ، ممن انجروا إلى أعمال العنف ، بل يجب أن يساءل كل من يثبت أنه حرض أو دعم هذه الفتنة ، وعلى رأس هؤلاء ذلك الذى هدد وندد وتوعد مرتدياً مسوح الكنيسة ، وأظن أن الكنيسة - الحقيقية - منه براء .
تاسعاً : تؤكد لنا الأحداث يوماً بعد يوم عمق نظرة الإخوان فى ترك التظاهرات والوقفات فى هذه المرحلة الحرجة حيث لم تعد تمر مظاهرة أو اعتراضية الآن إلا ويستغلها من يستغلها فى إحداث الفوضى والشغب والاضطرابات ، وهو ما يوجب على كل العقلاء أن يتوقفوا وفوراً عن مثل هذا النوع من الممارسة السياسية إلى أن تستقر البلاد وتتسلم الحكومة الشعبية المختارة أمور البلاد وأزمتها .
عاشراً : هناك مجموعة من ردورد الأفعال أؤكد أنها مرفوضة وممجوجة ولا تضطرنا إليها مثل هذه الأحداث ولا ينبغى أن تتخذ الأحداث تكأة لها أو مطية ، منها :
أن تؤجل الانتخابات ، وبناءاً عليها يؤجل الاستقرار والاختيار الشعبي الحر ، وهذا هو غاية المراد لصناع هذه الفتن ..
أو أن يستمر حكم المجلس العسكري وانشغاله عن صناعة الأمن والاستقرار الخارجي بالاستدراج إلى هذه المشاكل الداخلية التى يكفيه مؤنتها حكومة مدنية مختارة من قبل شعب حر يدرك اختياراته ويصنع مستقبله ..
أو أن تستغل هذه الأحداث لتدخل أجنبي فى شئون مصر مثلما لوحت كلينتون ، وتدويل قضية وهمية " اضطهاد الأقباط " ، وهم شريكنا فى هذا الوطن ويعيشون فيه كأحسن ما تعيش أقلية فى بلدها ، ويا ليت المسلمون فى كل قطر هم فيه مضطهدون يعيشون كما يعيش " مضطهدى الاقباط " فى مصر .
وأخيراً : أثمن - بكل فخر - دور شيخ الأزهر ودعوته للقيادات المسيحية بكل طوائفها للاجتماع ودراسة الأمر ، وهى خطوة على الطريق الصحيح من زاويتين : الأولى هي زاوية علاج المشكلة بعيداً عن الأمن ، والثانية هى فى عودة الأزهر لممارسة دوره الريادى الحقيقي الذى جرد منه فى العهود البائدة ..
حفظ الله مصر ووقاها من كل الفتن والأيادى الخبيثة ، وجعلها الله بلداً للأمن والسلام .. آمين
----------

