في سقطة إعلامية وأخلاقية جديدة، انبرى "أبواق السلطة" للدفاع المستميت عن صفقة استيراد الغاز من الكيان الصهيوني، محاولين غسل سمعة الحكومة المتورطة في دعم اقتصاد الاحتلال بينما لا تزال دماء أهل غزة لم تجف.

 

في مشهد يعكس حالة "الإفلاس السياسي" والتخبط، لم يجد هؤلاء حرجًا في ليّ أعناق النصوص الدينية واستحضار التاريخ الإسلامي بشكل مشوه لتمرير صفقة تجارية بمليارات الدولارات، تُضخ مباشرة في شريان الكيان الذي يشن حرب إبادة على حدود مصر الشرقية. هذه التبريرات الواهية تأتي في وقت يعاني فيه المواطن المصري من انقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات، لتكشف عن فجوة هائلة بين نظام يرهن أمن الطاقة لعدو استراتيجي، وإعلام وظيفته الوحيدة "التطبيل" للقرارات الكارثية مهما كان ثمنها الوطني والأخلاقي.

 

"الديهي" وفتوى "البيزنس الحلال".. استغلال الدين لشرعنة التطبيع

 

في محاولة بائسة لإضفاء صبغة شرعية على التطبيع الاقتصادي الفج، خرج الإعلامي نشأت الديهي بتصريحات أثارت موجة من الاستهجان والسخرية، حين برر التعامل مع الاحتلال بأنه "تجارة" مشروعة مستندًا إلى تعامل النبي محمد ﷺ مع يهود المدينة. هذا القياس الفاسد يتجاهل عمدًا الفارق الجوهري بين التعامل التجاري مع أفراد، وبين إبرام صفقات استراتيجية مع كيان محتل يغتصب الأرض ويسفك الدماء ويهدد الأمن القومي المصري.

 

تجاهل "الديهي" في دفاعه المستميت حقيقة أن المليارات التي ستدفعها مصر مقابل هذا الغاز ستتحول مباشرة إلى رصاص وصواريخ تقتل الفلسطينيين، بل وستدعم الاقتصاد الإسرائيلي المترنح بسبب الحرب. وبدلاً من مساءلة الحكومة عن فشلها في إدارة ملف الطاقة الذي حول مصر من مصدر للغاز إلى مستورد له، لجأ إلى تخويف المصريين بسؤال استنكاري: "من أين نأتي بالبديل؟"، وكأن قدر مصر العظيمة أن تظل رهينة لفتات الغاز المسروق من السواحل الفلسطينية، في اعتراف ضمني بفشل سياسات النظام في تحقيق الاكتفاء الذاتي المزعوم.

 

 

أحمد موسى.. إنكار الواقع وتضليل الرأي العام

 

على الجانب الآخر، واصل الإعلامي أحمد موسى ممارسة هوايته المفضلة في "إنكار الواقع"، زاعمًا أن الحديث عن رهن أمن الطاقة المصري لإسرائيل هو "ادعاءات غير صحيحة". يستعرض "موسى" أرقامًا عن الإنتاج المحلي وسفن التغييز، متجاهلاً الحقيقة الساطعة التي عاشها كل بيت مصري: عندما قررت إسرائيل وقف ضخ الغاز في بداية العدوان على غزة، غرقت مصر في ظلام دامس وتوقفت المصانع واضطرت الحكومة لجدولة تخفيف الأحمال.

 

هذا الدفاع "الأعمى" يصطدم بصخرة البيانات الرسمية لمنظمة الطاقة الدولية التي تؤكد اعتماد قطاع الكهرباء المصري بنسبة تقارب 76% على الغاز الطبيعي. إن نفي "موسى" لا يغير من حقيقة أن الاعتماد على مصدر "معادٍ" وغير مستقر سياسيًا لتأمين سلعة استراتيجية كالطاقة هو قمة المخاطرة بالأمن القومي. فبدلاً من البحث عن حلول وطنية أو تنويع المصادر، يصر النظام وإعلامه على وضع "محبس" كهرباء المصريين في يد حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، وهو ما يعد جريمة استراتيجية لا يمكن تبريرها بأي منطق اقتصادي.

 

 

المعارضة تفضح المستور: "غاز مسروق" وتمويل للعدوان

 

في مواجهة حملة التضليل الإعلامي، جاء صوت المعارضة ممثلاً في "الاشتراكيين الثوريين" ليضع النقاط على الحروف، واصفًا الصفقة بأنها "دعم سياسي واقتصادي مباشر" للعدو. البيانات التي طرحتها المعارضة تكشف الوجه القبيح للصفقة المقدرة بـ 35 مليار دولار، والتي تأتي بضغوط أمريكية واضحة لدمج إسرائيل في منظومة الطاقة الإقليمية رغماً عن إرادة الشعوب.

 

الاعتراض هنا ليس مجرد "مزايدة سياسية" كما يزعم إعلام السلطة، بل هو موقف مبدئي ووطني يرفض شراء "الغاز المسروق" من الشعب الفلسطيني. إن تدفق أموال دافعي الضرائب المصريين إلى خزينة الاحتلال في هذا التوقيت الحساس هو مشاركة غير مباشرة في تمويل آلة الحرب الإسرائيلية. لقد أثبتت التجربة العملية أن الرهان على الغاز الإسرائيلي هو رهان خاسر وفاشل، لم يجلب للمصريين سوى الديون والتبعية، ولم يحقق لهم الرفاهية الموعودة، بل زاد من أعبائهم وجعل قرارهم السيادي مرتهنًا لإرادة من يملك "مفتاح الغاز".