في توقيت لا يمكن وصفه إلا بـ "المشبوه"، وبينما لا تزال دماء أهلنا في غزة لم تجف، وعمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي تتصاعد وتيرتها، فاجأ نظام الانقلاب المصري الجميع بتوقيع "أكبر صفقة غاز في تاريخ الكيان الصهيوني".
صفقة بقيمة 35 مليار دولار، يضخها نظام السيسي في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي المأزوم، ليمنحه قبلة الحياة في عز أزمته، بدلاً من استخدام أوراق الضغط لوقف المجازر. هذه الخطوة لم تكن مجرد اتفاق تجاري، بل مثلت سقوطاً أخلاقياً وسياسياً مدوياً، أثار عاصفة من الغضب والاستهجان في أوساط النخبة والمراقبين الذين رأوا فيها "خيانة عظمى" للأمن القومي المصري ودعماً مباشراً لآلة القتل الصهيونية.
إن الحديث عن "الاضطرار" الذي يروجه أبواق النظام لتبرير الارتماء في أحضان العدو الاستراتيجي لم يعد ينطلي على أحد. فمصر التي كانت يوماً سلة غذاء العالم وقائدة المنطقة، باتت في عهد العسكر رهينة لقرار "تل أبيب" في تأمين طاقتها. هذا التقرير يرصد ردود الفعل الغاضبة التي كشفت عورة النظام، ووضعت صفقة الـ 35 مليار دولار في ميزان الوطنية والإنسانية، ليتضح أنها ليست سوى جريمة جديدة تضاف لسجل نظام لا يرى في السيادة إلا "مناقصة" تُرسى على من يدفع العمولات، ولو كان الثمن دماء الأبرياء.
"غاز العدو".. تمويل للإبادة وشرعنة للاحتلال
لم تكن الصفقة مجرد تبادل تجاري، بل اعتبرها الكثيرون مشاركة مباشرة في العدوان. فرانسيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، كانت واضحة وحادة في توصيفها، حيث أكدت أن شراء مصر غازاً بهذه القيمة من إسرائيل يُعد "انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي"، مشيرة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024. وأضافت بلهجة لا تقبل التأويل أن هذا الفعل هو "دليل فاضح على دعم إسرائيل في وقت ترتكب فيه إبادة جماعية"، معتبرة أن السيسي يتاجر بدماء أطفال غزة مقابل المال، ويهين كرامة المصريين بوضعهم في صف الداعمين للجريمة.
Egypt can say what it wants but purchasing $35bn of gas from Israel violates int'l law, including the ICJ advisory opinion of 2024, and is, honestly, an incredible sign of support to Israel during the genocide of the Palestinians.
— Francesca Albanese, UN Special Rapporteur oPt (@FranceskAlbs) December 20, 2025
States must stop placing profits above humanity. https://t.co/J3F7tMbPP1
وفي السياق ذاته، تساءل الدكتور عصام عبد الشافي عن الثمن الحقيقي للصفقة، مختصراً المعادلة في كلمات قاسية: "صفقة غاز على حساب دماء الفلسطينيين وكرامة المصريين". هذا التوصيف يعكس حقيقة أن النظام المصري لم يكتفِ بالصمت العاجز تجاه ما يحدث في غزة، بل تحول إلى ممول وشريك اقتصادي استراتيجي للكيان، في وقت تتسابق فيه دول أوروبية بعيدة لمقاطعة إسرائيل ثقافياً واقتصادياً.
المعادلة باختصار
— د. عصام عبد الشافي ـ Essam Abdelshafy (@essamashafy) December 20, 2025
صفقة غاز على حساب دماء الفلسطينيين وكرامة المصريين#صهاينة_العرب https://t.co/wPh9nAkesE
الدكتور يحيى غنيم عقد مقارنة مؤلمة بين "الجمهورية السيسية الجديدة" وبين دول أوروبية مثل أيرلندا وإسبانيا التي قاطعت مهرجانات فنية لمجرد مشاركة إسرائيل فيها. وقال غنيم ساخراً ومستنكراً: "الجمهورية السيسية لا ترى عيباً في أن تشتري من إسرائيل غازاً بـ 35 مليار دولار!"، مشيراً إلى أن من تضاعفت تجارته مع الكيان ثلاث مرات أثناء حرب الإبادة يسهل عليه تسليم أمن الطاقة لـ "بني صهيون".
الفرق بين الجمهورية السيسية الجديدة وبعض البلاد الأوروبية:
— Dr.Yahya Ghoniem (@YahyaGhoniem) December 21, 2025
(هولندا وإيرلندا وإيسلاندا وإسبانيا وسلوفينيا)بلاد أوروبية قاطعت مهرجان اليوروفيجن للأغنية لمشاركة إسرائيل فيه!
أما الجمهورية السيسية الجديدة لاترى عيبا فى أن تشترى من إسرائيل غاز ب 35 مليار دولار!!!
والغريب أن أتباع…
سقوط ورقة التوت عن "الأمن القومي" المزعوم
لطالما صدع النظام رؤوس المصريين بحديثه عن "الأمن القومي" و"الخطوط الحمراء"، لكن صفقة الغاز كشفت أن الأمن القومي عند العسكر لا يتجاوز كونه شعاراً للاستهلاك المحلي. عضو مجلس الشورى السابق، الدكتور حسام بدراوي، انتقد الصفقة من منظور استراتيجي بحت، قائلاً: "المنطق والعقل يقولان إنه لا يصح أن تعتمد على عدوك الاستراتيجي في توفير الطاقة". هذه البديهية التي يدركها أصغر سياسي، تجاهلها النظام عمداً، مفضلاً رهن إضاءة بيوت المصريين وتشغيل مصانعهم بمحبس غاز يتحكم فيه "نتنياهو".
الباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، عزز هذا الطرح بتأكيده أن "الأمن القومي لا يُدار بمنطق المناقصات الاقتصادية"، مشدداً على خطورة التعامل مع طرف يعتبر عدواً تاريخياً بمنطق الربح والخسارة المادية فقط. هذا التحول الخطير في العقيدة الاستراتيجية المصرية يعني أن القاهرة فقدت استقلالية قرارها، وباتت ورقة في يد تل أبيب تضغط بها متى تشاء.
وعلى الجانب الآخر، حاول إعلام النظام، ممثلاً في نشأت الديهي، تبرير الفضيحة بأسلوب "التدليس الديني"، حيث زعم أنه "غير سعيد بالصفقة ولكننا مضطرون"، مستدعياً تعامل الرسول (صلى الله عليه وسلم) تجارياً مع اليهود في محاولة بائسة لخلط الأوراق وتسكين الغضب الشعبي، متجاهلاً الفارق الشاسع بين المعاملات التجارية الفردية وبين تمويل كيان محتل يذبح المسلمين.
الإعلامي هيثم أبو خليل سخر من هذه التبريرات، واصفاً إياها بـ "المرجيحة"، حيث ينتقل إعلام "السامسونج" من الحديث عن رعب إسرائيل من الجيش المصري، إلى تبرير الارتماء تحت رحمة العدو لتوفير بضعة مليارات، مختتماً بهاشتاج [#غاز_العدو_خيانة].
المرجيحة!
— Haytham Abokhalil هيثم أبوخليل (@haythamabokhal1) December 20, 2025
إعلام السامسونج يمرجح المصريين:
من رعب في إسرائيل من الجيش المصري في سيناء!
إلى أهمية رهان الأمن القومي تحت رحمة العدو في صفقة الغاز من أجل توفير مليارات الدولارات!!!!#غاز_العدو_خيانة pic.twitter.com/AWopsARnKn
البدائل كانت متاحة.. ولكن "الخيانة" اختيار
السؤال الأكثر إلحاحاً الذي طرحه المستشار وليد شرابي هو: لماذا إسرائيل تحديداً؟ ولماذا يدفع النظام 35 مليار دولار للكيان وكان بإمكانه إنجاز نفس الصفقة مع دول شقيقة وحليفة مثل قطر أو الجزائر أو حتى روسيا؟ إجابة شرابي جاءت قاطعة وكاشفة: "هو لا يدفع ثمن الغاز، لكنه يدفع ثمن البقاء". هذه العبارة تلخص المشهد؛ فالنظام يشتري شرعيته الدولية والرضا الأمريكي عبر بوابة تل أبيب، حتى لو كان الثمن إفلاس مصر وارتهان قرارها.
السؤال المنطقي الذي يجب أن يسأله كل مصري لنفسه
— Waleed Sharaby (@waleedsharaby) December 21, 2025
لماذا يدفع ٣٥ مليار دولار لصالح إسرائيل مقابل صفقة غاز وكان بإمكانه إنجاز نفس الصفقة مع قطر أو روسيا أو الجزائر ؟
الإجابة
هو لا يدفع ثمن الغاز لكنه يدفع ثمن البقاء .
الكاتب الصحفي جمال سلطان، أشار إلى نفس النقطة، مؤكداً أن البدائل كانت متاحة من دولتين عربيتين، لكن السيسي اختار أن يمنح الـ 35 مليار دولار من "أموال الشعب المصري الفقير" لنتنياهو الذي خرج يحتفل مع شعبه بـ "أكبر صفقة في تاريخ إسرائيل". هذا الاحتفال الإسرائيلي يمثل صفعة على وجه كل مصري يعاني من انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار، ليرى أمواله تذهب لرفاهية المستوطنين وتمويل جيش الاحتلال.
السيسي يمنح إسرائيل 35 مليار دولار، من أموال الشعب المصري الفقير، في صفقة مشبوهة لشراء غاز، بدائلها متاحة من دولتين عربيتين، ونتانياهو يحتفل مع "شعبه" بما وصفه : أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل، ويقول أنها ستخدم إسرائيل وتغذي خزينتها وتؤمن مستقبل الأجيال الإسرائيلية المقبلة وتعزز… pic.twitter.com/TmTnnpSdYH
— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 18, 2025
أسامة رشدي عبر عن خيبة أمله بعد أن تبين كذب الأخبار التي تحدثت عن مفاوضات مع قطر كبديل، قائلاً: "تبيّن الآن أن النظام يبيع أوهاماً... السيسي لم يعد يملك من أمره شيئاً، وهو راضخ تماماً لما يفرض عليه".
عندما نُشر الخبر (كما في هذه الصورة 👇) عن أن #السيسي يفاوض دولة عربية – وكانت الترجيحات أنها #قطر – على صفقة غاز بديلة عن صفقة الـ 35 مليار دولار مع الاحتلال،
— أسامة رشدي (@OsamaRushdi) December 18, 2025
قلتُ يومها: أتمنى أن يكون الخبر صحيحًا.
وقلنا إن ذلك – إن صح – قد يكون استفاقة متأخرة لضمان أمن الطاقة لمصر، وهو أحد… pic.twitter.com/qiPxQdedBE
صهينة المنطقة.. والرقص على جثة العروبة
لم تكن الصفقة معزولة عن سياق إقليمي أوسع يهدف لدمج الكيان الصهيوني وتمكينه. المجلس الثوري المصري لخص المشهد المؤلم قائلاً: "في ظرف 48 ساعة، أنقذت دولتان عربيتان الكيان الصهيوني من أعنف ضائقة اقتصادية... صفقة أمنية مع الإمارات، وصفقة غاز مع مصر". هذا التحالف الاقتصادي بين أنظمة الثورة المضادة وبين الاحتلال يكشف عن وجه قبيح لنظام إقليمي جديد يتشكل على جثث الفلسطينيين.
ماذا سيقول التاريخ وماذا ستقول الأجيال القادمة من المسلمين عن كيف أنه، هكذا في ظرف 48 ساعة، أنقذت دولتان عربيتان الكيان الصهيوني من أعنف ضائقة اقتصادية نتجت عن حرب الإبادة في غزة:
— المجلس الثوري المصري (@ERC_egy) December 18, 2025
- صفقة أمنية عسكرية مع #الإمارات بقيمة 2.3 مليار دولار.
- صفقة غاز مع #مصر بقيمة 35 مليار دولار. pic.twitter.com/wAwTL8gfLF
الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة وصف الموقف بمرارة، مشيراً إلى أن نتنياهو يعتبر الصفقة جزءاً من مشروع "صهْينة" المنطقة. وأضاف أن "إضعاف مصر برهنها لصفقات مع العدو الأكبر لا يعني غير تسهيل المخطط الصهيوني الأمريكي"، متسائلاً بأسى: "أي مرحلة بائسة نعيش؟!".
سرقوا غاز شعبنا وباعوه.. ماذا بجانب المليارات الـ35؟!
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) December 18, 2025
وصف نتنياهو الصفقة مع مصر بأنها "أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل".
وزاد الأمر وضوحا بالقول:
"هذه الصفقة تعزّز بشكل كبير مكانة إسرائيل كقوة إقليمية في مجال الطاقة، وتساهم في الاستقرار في منطقتنا. كما أنها تشجّع الشركات الأخرى… pic.twitter.com/CzUAIlq07T
مها عزام، رئيس المجلس الثوري المصري، تساءلت بتهكم عما إذا كان السيسي قد "غطى تكاليف إبادة أهلنا في غزة" بهذه المليارات، متوقعة أن يرشحه الكيان لوسام تكريم نظير خدماته الجليلة لاقتصاد الاحتلال.
نتنياهو سعيد جدا بصفقة بيع غاز بقيمة ٣٥ مليار دولار لمصر وصفها بأكبر صفقة في تاريخ الكيان وتشجع الاستثمارات فيه.وستحصل حكومته على ضرائب بقيمة ١٢ مليار دولار منها.هل نفهم ان #السيسي غطى تكاليف إبادة اهلنا في #غزة؟ربما سيرشحه الكيان لوسام نيسي مدينة اسرائيل اعلى وسام تكريم لديه…
— Maha Azzam (@MahaAzzam_ERC) December 19, 2025
الفنان عمرو واكد اختصر الموقف في جملة واحدة تعبر عن القهر: "مش غاز بس، غاز وضربة على قفاك"، محذراً من أن "الصمت انتحار" في مواجهة هذا الانحدار القاتل.
مش غاز بس، غاز وضربة على قفاك.
— Amr Waked (@amrwaked) December 20, 2025
أنا لا افهم سر صمت المصريين على هذه الإنحدار القاتل. الصمت انتحار. https://t.co/nyKV3zFe4s
في النهاية، كما قال محمد طلبة رضوان: "خبر يشبه عبد الفتاح السيسي.. ويصلح أن يكون ختاماً لعهده وحياته". إن صفقة الـ 35 مليار دولار ستبقى وصمة عار تلاحق هذا النظام، وشاهداً تاريخياً على حقبة بيعت فيها ثروات مصر وسيادتها لعدوها الأول، بينما كان الشعب يطحن في رحى الفقر والقهر.
نتنياهو يعلن أن مصر وقعت مع إسرائيل أكبر اتفاقية غاز في تاريخها.. 35 مليار دولار… خبر يشبه عبد الفتاح السيسي.. ويصلح أن يكون ختاما لعهده وحياته..
— Mohamed Tolba Redwan (@Tolba_Radwan) December 17, 2025

