في تطور دراماتيكي هزّ الرأي العام وكشف عن حجم الكارثة الأخلاقية والأمنية التي تعيشها مصر، أعلن اثنان من محامي المتهمين في قضية التعدي الجنسي والجسدي على أطفال مرحلة (KG2) بمدرسة "سيدز" الدولية، انسحابهما من هيئة الدفاع.
الانسحاب لم يكن مناورة قانونية، بل جاء نتيجة صدمة الاعترافات التي أدلى بها المتهم الثالث أمام جهات التحقيق، والتي أكدت وقوع الجريمة بشكل لا يقبل الشك، لتسقط أقنعة المجرمين ليس فقط عن إدارة المدرسة، بل عن منظومة تعليمية ورقابية متهالكة تديرها "حكومة الانقلاب" بمنطق الجباية لا الرعاية.
انسحاب الدفاع: "الاعتراف سيد الأدلة".. والجريمة أكبر من التبرير
جاء قرار المحاميين بالانسحاب كشهادة إدانة قاطعة، حيث كشفا في تصريحات صحفية أن ضميرهما المهني والإنساني لم يتحمل الاستمرار في الدفاع بعد اعتراف المتهم الثالث تفصيلياً بارتكاب الوقائع المشينة بحق أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات. وأوضح الدفاع المنسحب أن هناك "تضارباً فجاً" بين اعترافات المتهمين، حيث حاول البعض الإنكار والمراوغة، بينما جاء اعتراف المتهم الثالث لينهي أي جدل، واضعاً الجميع أمام حقيقة مرعبة: أطفالنا يُنتهكون داخل قلاع التعليم التي يدفع فيها الأهالي "دم قلوبهم" بحثاً عن أمان مفقود في دولة العسكر.
هذا الانسحاب يُعد سابقة نادرة في القضايا الجنائية، ويؤكد أن الأدلة والاعترافات بلغت حداً من البشاعة والوضوح جعل حتى محامي المتهمين يرفضون التلوث بالدفاع عن "ذئاب بشرية" ترعرعت في ظل غياب تام للردع والرقابة.
وزارة "التابلت" والسبوبة: غياب الرقابة وحضور "الجباية"
لا يمكن فصل جريمة "سيدز" عن السياق العام لانهيار المنظومة التعليمية في مصر. فوزارة التربية والتعليم في عهد الانقلاب تفرغت تماماً لـ"البيزنس" وبيع الوهم للمصريين عبر مشاريع التابلت والسناتر، متجاهلة دورها الأساسي في الرقابة على المدارس، خاصة الدولية منها التي تُركت كـ"دولة داخل الدولة" طالما أنها تدفع الضرائب والرسوم الباهظة لخزينة النظام.
إن اعتراف المتهم الثالث بارتكاب الجريمة داخل حرم المدرسة يطرح تساؤلات حارقة حول غياب الكاميرات، وغياب المشرفين، وغياب لجان التفتيش الوزارية التي لا تظهر إلا لجمع الإتاوات. كيف لمؤسسة تعليمية تتقاضى مئات الآلاف من الجنيهات أن توظف عمالاً أو مشرفين دون تأهيل نفسي أو جنائي؟ الإجابة تكمن في منظومة الفساد التي نخرت في عظام الدولة، حيث الرشوة والمحسوبية هما المعيار الوحيد للتشغيل والترخيص.
"جمهورية الخوف": الأطفال يدفعون الثمن
تعكس واقعة "سيدز" الحالة المزرية التي وصل إليها المجتمع المصري تحت حكم القمع. فبينما تنشغل الأجهزة الأمنية بمطاردة المدونين ومراقبة "اللايك والشير" على فيسبوك، تترك المدارس والشوارع مرتعاً للمجرمين والمنحرفين. إن بيئة "اللاقانون" التي رسخها النظام، وشعور الجناة بالإفلات من العقاب (أو قدرتهم على شراء الذمم)، هو ما شجع على استباحة براءة الأطفال بهذه الوحشية.
الأهالي الذين ظنوا أن أسوار المدارس الدولية ستحمي أبناءهم من الانهيار الأخلاقي الذي يضرب المجتمع، اكتشفوا أن الفساد لا دين له ولا طبقة، وأن "الخراب" الذي جلبه الانقلاب طال الجميع. حالة الغليان بين أولياء الأمور ليست فقط بسبب الجريمة، بل بسبب إدراكهم أن الدولة غير موجودة لحماية أطفالهم، وأنها لا تتحرك إلا "كرد فعل" لامتصاص غضب السوشيال ميديا.
جرس إنذار في أذن نظام أصم
إن انسحاب المحامين واعتراف المتهم الثالث في قضية "سيدز" ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لفتح ملف المسكوت عنه في المدارس المصرية. هذه الواقعة ليست فردية، بل هي عرض لمرض عضال اسمه "غياب دولة القانون". في ظل حكومة تعتبر التعليم سلعة والأمن سلعة، سيظل أطفال مصر في خطر دائم. إن دماء البراءة التي اغتيلت معنوياً في "KG2" هي وصمة عار جديدة على جبين نظام لم ينجح إلا في بناء السجون وتشييد القصور، بينما ترك الشعب وأطفاله نهباً للفساد والانحلال.

