وائل قنديل

كاتب صحافي مصري

 

تشتعل الأزمة في السودان بين الشريكين اللذين تناوبا على افتراس ثورة الشعب السوداني، فينادي العرب على دونالد ترامب لكي يغيث هذا البلد. ترتفع وتيرة المواجهة بين نظام أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) فيتمنّى الشرع على الرئيس الأميركي أن يتولى الأمر ويصنع السلام في سورية. يُمعن الكيان الصهيوني في إبادة الشعب الفلسطيني، فيصرخ العرب: "وا ترامباه" أنت وحدك تمتلك القدرة، وحدك صاحب الحل والعقد، وكلّنا مُلتزمون العمل تحت قيادتك مؤمنون بحكمتك لإغاثة فلسطين وإغاثتنا.

 

هل صار ترامب خليفتنا الساكن في الباب العالي الذي نذهب إليه نطلب الغوث مُحمّلين بالأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة؟ السؤال قبل ذلك: هل بات العرب على يقين من عجزهم عن إدارة شؤونهم فيما بينهم، وإدارة نزاعاتهم مع أعدائهم الخارجيين بأنفسهم، من خلال ما أسّسوه على مدار قرن من كيانات جامعة ومجالس تعاون واتحادات وتحالفات ثنائية وثلاثية ورباعية؟ كيف تركت جامعة الدول العربية حريقًا سودانيًّا سودانيًّا يشتعل ويتأجّج ويتمدّد عامين أو أكثر من دون أن تتقدّم بمبادرة لإيجاد الحل وإنهاء الصراع، حتى لو تطلّب الأمر استخدام السلاح من خلال قوّة عربية مشتركة تتدخّل على الأرض؟ كيف لم تستخدم دولة عربية واحدة ما تزعمه من قدرة على التأثير والفعل في وضع حدّ لمأساة أخرجت السودان من العصر، وقذفت به إلى قرون سحيقة مضت؟ من أين يأتي العرب بكلّ هذه الثقة في أنّ هذا المهووس بالصفقات القذرة، والمولع بجمع الأموال بكلّ الطرق يصلح مرجعية أخلاقية وسياسية لهم، أو يمكن أن يكون حكمًا عادلًا في ما خصّ قضية فلسطين؟

 

لم يترك دونالد ترامب مناسبة إلا وأعلن فيها التزامه أمن الكيان الصهيوني، وانحيازه الصريح له إلى الحدّ الذي يبرّر به أطماعه التوسّعية في أراضي الدول العربية، لأنّ "مساحة إسرائيل صغيرة جدًّا"، بل يعتبر العداء لإسرائيل عداءً له شخصيًّا، ومضايقة إسرائيل مضايقة له، وكافية لكي ينزل عقابه بأصحابها، دولًا مثل إيران وكولومبيا وفنزويلا وإسبانيا، أو هيئات أممية مثل "أونروا" والعدل والجنائية الدوليتين، أو أشخاصًا مثل المقرّرة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي! وأخيرًا قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل الذي ألغت إدارة ترامب زيارته واشنطن، لأنّ الجيش اللبناني أصدر بيانًا سمّى فيه إسرائيل عدوًّا، وحمّلها مسؤولية عدم استكمال الجيش خطة انتشاره جنوبي منطقة الليطاني، بل طلب أعضاء حزب ترامب، مثل الجمهوري "لبناني الأصل" توم حرب، من رئيس الجمهورية اللبنانية تغيير قائد الجيش بآخر لا يرى إسرائيل عدوًا.

 

كلّ هذا التقديس العربي الرسمي لدونالد ترامب، مُنزّل العقوبات ورافعها، ومانح الشرعيات وساحبها، كما قال وهو يستقبل أحمد الشرع في البيت الأبيض ويسأله عن عدد زوجاته، جعل رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، يتجوّل في أحشاء سورية، مُتفقّدًا مناطق استولى عليها من الجنوب السوري بالتزامن مع حصول أحمد الشرع على السلطة، ويعلن بوضوح أنّ هذه المنطقة صارت تابعة لإسرائيل، مُفصّلًا في بيان، الأهمية الاستراتيجية للوجود الإسرائيلي هناك، قائلًا: "نحن هنا في جنوب سورية، لحماية حلفائنا من الدروز، ولدولة إسرائيل وحدودها الشمالية".

 

السؤال الأهم: هل يمكن الجمع بين الولاء التام والإيمان الكامل بالبابا دونالد ترامب، والإيمان بأنّ الشعب الفلسطيني شقيق وإسرائيل عدو؟. أجابت فتاة إيرلندية عن هذا السؤال الوجودي بكلمات بسيطة، حين طلب منها مذيع أميركي أن تردّد "God bless the USA" أي بارك الله في أميركا، فكان ردّها بسخرية غاضبة "Free Palestine" الحرية لفلسطين.

 

تلك هي المعادلة الصحيحة.