اتساع دائرة التضامن مع عمال وموظفي شركة مياه الشرب والصرف الصحي، من منظمات حقوقية بارزة وأحزاب وحركات سياسية ولجان نقابية، حوّل احتجاجات العمال من تحرك مطلبي محدود إلى مواجهة مفتوحة مع سياسات حكومة الانقلاب التي تكرّس التجويع وتحمي الفساد داخل شركات المرافق العامة.

 

توقيع قوى حقوقية وسياسية على بيانات مشتركة تؤكد أن مطالب العمال «حقوق أقرتها الدولة نفسها» يفضح ازدواجية السلطة التي تعلن على الورق حدًّا أدنى للأجور وعلاوات منذ 2016، بينما تسمح عمليًا بحجب المستحقات وخرق الأحكام القضائية وإبقاء آلاف العمال تحت رحمة عقود هشة وأجور متآكلة. هذا التراص الحقوقي والحزبي خلف العمال يكشف أن الصراع لم يعد بين العمال وإدارة شركة فقط، بل بين المجتمع ونظام اقتصادي-أمني حول المرافق الحيوية إلى مصدر نهب منظم بدل أن تكون خدمة عامة للمواطنين.

 

جبهة حقوقية في مواجهة تجويع منظم

 

بيان التضامن المشترك الذي وقّعت عليه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ودار الخدمات النقابية والعمالية، ومركز الأرض لحقوق الإنسان، وضع الحكومة أمام اتهام مباشر بأنها الطرف الذي يعرقل حصول العمال على حقوق أقرتها بنفسها. تركيز هذه الكيانات على أن الحد الأدنى للأجور وضم العلاوات وتثبيت العمالة المؤقتة «استحقاقات قانونية» لا «مِنَح» يمزّق رواية السلطة عن كونها راعية للطبقات الفقيرة، ويكشف أن ما يجري هو تجويع منظم تشارك فيه إدارة الشركة القابضة ووزارات الانقلاب عبر الامتناع عن التنفيذ والتلاعب بالقرارات.

 

أحزاب وحركات سياسية: من التضامن الرمزي إلى إدانة بنية الحكم

 

انخراط أحزاب مثل «الاشتراكي المصري»، و«التحالف الشعبي الاشتراكي»، و«العيش والحرية» تحت التأسيس، و«تيار الأمل» تحت التأسيس، إلى جانب «الاشتراكيين الثوريين»، حوّل الملف من نزاع عمالي إلى معركة سياسية ضد نموذج حكم يقوم على سحق الأجور وحماية الفاسدين. هذه القوى وضعت مطالب العمال في إطار أشمل هو رفض سياسات التقشف، وخصخصة غير معلنة للمرافق، وتركيز الثروة في يد قلة مرتبطة بالنظام، وهو ما يعني أن الهتاف ضد «حرامية» الشركة موجّه عمليًا ضد منظومة كاملة ترعى هذا الفساد وتستفيد منه.

 

تضامن نقابي ولجان قاعدية يكسر حصار الاتحاد الرسمي

 

انضمام لجان نقابية في قطاعات أخرى – من الاتصالات والضرائب والصحافة وغيرها – إلى بيان الدعم، يعكس تململًا متصاعدًا داخل القاعدة العمالية من اتحاد رسمي معطَّل وموالي للسلطة، وعجزه أو امتناعه عن حماية حقوق أعضائه. هذا التضامن القاعدي يعني أن تجربـة عمال مياه الشرب يمكن أن تصبح نموذجًا يُحتذى به في قطاعات أخرى، وأن حكومة الانقلاب تواجه لأول مرة منذ سنوات نواة اصطفاف عمالي-حقوقي-حزبي يتجاوز الحصار المفروض على التنظيم المستقل، ويفضح ادعاءات «الجمهورية الجديدة» عن توسيع المشاركة والتمكين.

 

حكومة تتجاهل نداءات الحقوقيين وتصر على حماية الفساد

 

رغم البيانات الواضحة المطالِبة بتدخل وزارتي الإسكان والعمل لفحص التزام الشركة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وصرف العلاوات المتأخرة منذ 2016 وتثبيت المؤقتين، جاء رد فعل الدولة على شكل صمت أو مماطلة، مع الاكتفاء بوعود شفوية وقرارات منقوصة لا تمس جوهر الفساد. هذه اللامبالاة أمام تحذيرات المنظمات الحقوقية من «أوضاع صعبة» و«اختلال كبير بين غلاء المعيشة وتآكل الأجور» تكشف أن حماية القيادات المتهمة بإهدار المال العام أولوية أعلى لدى النظام من إنقاذ آلاف العمال الذين يحافظون على شريان الحياة الأساسي للملايين وهو مياه الشرب.

 

وأخيرا فإن التضامن الحقوقي والحزبي مع عمال مياه الشرب ليس تفصيلًا جانبيًا في مشهد احتجاجي محدود، بل تطور نوعي يفضح عزلة حكومة الانقلاب أمام قطاعات واسعة من المجتمع ترى في هذا الحراك تعبيرًا عن غضبها المكتوم من الفقر والفساد. عنوان المعركة الآن لم يعد فقط «العلاوات والتثبيت»، بل «أي دولة هذه التي تمنع عن العمال حقوقًا أقرتها بقوانينها، وتحتاج إلى بيانات حقوقية وتحركات حزبية وضغط في الشارع كي تلتزم بأبسط استحقاقات العدالة؟». كلما اتسع هذا التضامن وتعمّق، أصبح السؤال المطروح أكثر مباشرة: هل يمكن إصلاح منظومة قررت أن تقف في صف الناهبين ضد من ينتجون الماء والحياة، أم أن إسقاطها بات شرطًا لأي أفق حقيقي لعدالة اجتماعية في مصر؟