في لفتة إنسانية مؤثرة وتأكيد على دعم القضية الفلسطينية، اختُتمت فعاليات الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بحفل شهد حضوراً واسعاً من نجوم وصنّاع السينما، وسط عرض صورة الطفلة الفلسطينية هند رجب في الافتتاح السينمائي الكبير، في رسالة واضحة بأن السينما لن تنسى شهداء غزة وأن الفن قادر على توثيق الحقيقة وصون الصوت الإنساني، كما أكد رئيس المهرجان حسين فهمي.

 

وقد فرضت السينما الفلسطينية حضورها الطاغي على جوائز المهرجان، حيث تصدّر فيلم "كان يا ما كان في غزة" للمخرجين الفلسطينيين طرزان وعرب ناصر قائمة الفائزين بـثلاث جوائز رئيسية كبرى:

 

- جائزة الهرم الفضي لأفضل مخرج في المسابقة الدولية، بقيمة 5000 دولار

 

- جائزة أفضل فيلم عربي طويل، بقيمة 10,000 دولار مقدمة من WATCH IT

 

- جائزة أفضل ممثل للممثل مجد عيد عن دوره في الفيلم

 

هذا الفوز المستحق يأتي في وقت تتعرض فيه غزة لأبشع إبادة جماعية في التاريخ الحديث، ويؤكد أن السينما الفلسطينية قادرة على توثيق المعاناة وفضح الجرائم والصمود في وجه الاحتلال.

 

"كان يا ما كان في غزة": فيلم يوثق الواقع المعقد لقطاع غزة

 

"كان يا ما كان في غزة" (ONCE UPON A TIME IN GAZA) هو فيلم روائي طويل من إنتاج فرنسا وفلسطين وألمانيا والبرتغال وقطر والأردن، وتبلغ مدته 87 دقيقة. تدور أحداث الفيلم في غزة عام 2007، حيث يصحبنا إلى عالم يحيى، الطالب الذي تنشأ بينه وبين أسامة، تاجر المخدرات الطيب القلب، صداقة غير متوقعة.

 

ينطلق الاثنان معاً في بيع المخدرات من مطعم فلافل، لكنهما يواجهان ضغوطاً متصاعدة بعد مواجهة شرطي فاسد ومتغطرس، لتتشابك الأحداث في سرد سينمائي يكشف هشاشة العلاقات وقسوة الظروف في مجتمع مثقل بالأزمات تحت الحصار والاحتلال.

 

الفيلم لا يقدم صورة رومانسية عن غزة، بل يوثق الواقع المعقد والصعب الذي يعيشه أهل القطاع منذ عقود، في ظل الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني والفقر والبطالة وانعدام الأفق، وهو ما يجعله فيلماً شجاعاً وصادقاً يستحق كل التقدير.

 

جائزة الهرم الفضي لأفضل مخرج: اعتراف بالموهبة الفلسطينية

 

فاز المخرجان الفلسطينيان طرزان وعرب ناصر بـجائزة الهرم الفضي لأفضل مخرج في المسابقة الدولية، وتُقدر قيمتها بـ5000 دولار. هذه الجائزة تعترف بالموهبة الإخراجية الاستثنائية للمخرجين وقدرتهما على تقديم رؤية سينمائية فريدة لواقع غزة بـلغة بصرية متقنة وسرد محكم يجمع بين الواقعية والدراما الإنسانية.

 

مجد عيد يفوز بجائزة أفضل ممثل: أداء مؤثر في دور معقد

 

حصد الممثل الفلسطيني مجد عيد جائزة أفضل ممثل في المسابقة الدولية عن دوره في فيلم "كان يا ما كان في غزة"، في اعتراف بـأدائه المؤثر والصادق في تجسيد شخصية معقدة تعيش في ظروف قاسية تحت الحصار.

 

جائزة أفضل فيلم عربي طويل: انتصار للسينما الفلسطينية

 

أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، خلال حفل ختام دورته الـ46، فوز فيلم "كان يا ما كان في غزة" بـجائزة أفضل فيلم عربي طويل، التي تُمنح للمنتج وتُقدر قيمتها بـ10,000 دولار مقدمة من WATCH IT. وضمت لجنة تحكيم الجائزة كلاً من المخرج المصري كريم الشناوي، والمخرج السعودي وائل أبو منصور، والمنتجة الأردنية رولا ناصر.

 

كما أعطت اللجنة تنويهاً خاصاً لفيلم "فلانة" من إخراج زهراء غندور، في إشارة إلى القيمة الفنية للفيلم وتميزه رغم عدم فوزه بجائزة رئيسية.

 

العرض الأول في الشرق الأوسط: حضور بارز وتفاعل جماهيري

 

شهد مهرجان القاهرة السينمائي العرض الأول لفيلم "كان يا ما كان في غزة" في الشرق الأوسط، وسط حضور بارز من الجمهور والإعلام. وقال الممثل الفلسطيني مجد عيد إن أول عرض عربي للفيلم بمهرجان القاهرة يُعتبر "مصدر فخر كبير"، مؤكداً أهمية المهرجان كمنصة لعرض السينما الفلسطينية وإيصال صوت غزة إلى العالم.

 

صوت هند رجب: ختام رمزي للمهرجان

 

اختُتم المهرجان بعرض الفيلم الوثائقي "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، في لفتة رمزية تُذكّر بـالمأساة الإنسانية في غزة وتؤكد أن السينما يمكن أن تكون صوتاً للمظلومين ووسيلة لـتوثيق الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

 

هند رجب، الطفلة الفلسطينية التي استشهدت في غزة بعد أن حوصرت في سيارة مع عائلتها واستغاثت بالإسعاف الفلسطيني الذي استُهدف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء محاولته إنقاذها، أصبحت رمزاً لـالإبادة الجماعية التي يتعرض لها أطفال غزة. وعرض صورتها في افتتاح المهرجان، ثم ختامه بفيلم وثائقي عنها، يؤكد التزام المهرجان بـالقضية الفلسطينية ورفضه الصمت على الجرائم.

 

السينما الفلسطينية تنتصر رغم الإبادة

 

فوز فيلم "كان يا ما كان في غزة" بـثلاث جوائز رئيسية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يُمثل انتصاراً للسينما الفلسطينية ولـصوت غزة الذي يرفض الصمت رغم الإبادة والحصار والقتل اليومي. الفيلم يوثق الواقع المعقد لقطاع غزة قبل حرب الإبادة الحالية، لكنه يُذكّرنا بأن معاناة الغزاويين ليست وليدة اللحظة، بل تراكم لعقود من الاحتلال والحصار والحروب المتكررة.

 

وبينما يُقتل أطفال غزة ويُدمر القطاع بشكل ممنهج، تبقى السينما الفلسطينية شاهدة على الجريمة، وموثّقة لـالصمود، وصارخة في وجه العالم الذي يصمت أو يتواطأ مع الإبادة. "كان يا ما كان في غزة" ليس مجرد فيلم، بل شهادة على زمن ومكان وشعب يُقاوم بالحياة قبل السلاح، وبالفن قبل السياسة.