من مراسي الساحل الشمالي إلى قلب القاهرة، ومن البحر الأحمر إلى المقطم، نسج رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، المرتبط بعلاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني، خريطة نفوذ اقتصادي فوق أكثر من 25 مليون متر مربع من أرض مصر، ليصبح ذراعاً اقتصادية للإمارات وإسرائيل معاً، يعمل بتنسيق كامل مع نظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي باع السيادة المصرية بالتقسيط.

 

خلف البنايات الشاهقة والواجهات البراقة التي يروج لها النظام كـ"إنجازات"، تبقى الأسئلة قائمة حول العقود الاستثمارية الغامضة وغياب الشفافية التام، وعلاقات العبار المشبوهة بالكيان الصهيوني، في وقت تؤكد المؤشرات أن هذا النوع من الاستثمار لم يكن طوق نجاة للاقتصاد المصري، بل كان مسماراً آخر في نعش السيادة الوطنية.

 

35 مليار دولار.. استحواذ لا استثمار

 

يثير العبار حالة من الامتعاض الشعبي الواسع بسبب توسع استثماراته الجنوني خلال السنوات الماضية، حيث كشف أن حجم استثمارات مجموعته في مصر وصل إلى 35 مليار دولار. هذا الرقم الفلكي لا يعكس "شراكة اقتصادية"، بل يكشف استحواذاً ممنهجاً على أراضٍ ومشروعات إستراتيجية في مواقع حيوية للأمن القومي المصري.

 

طلعت خليل، المنسق العام للحركة المدنية الديمقراطية، أعرب عن تخوفه من طبيعة الاستثمارات الإماراتية، مؤكداً أنها "استحواذ على أراضٍ ومشروعات إستراتيجية، وليست مجرد استثمار إنتاجي". وأضاف أن محمد العبار يمتلك مشروعات وأراضي في مواقع ذات أهمية إستراتيجية للأمن القومي، مثل أراضي البحر الأحمر، مما يثير علامات استفهام كبيرة بشأن تأثير هذه الصفقات على السيادة المصرية.

 

مراسي البحر الأحمر.. 900 مليار جنيه لبيع السيادة

 

في سبتمبر 2025، وقعت شركتا "إعمار مصر" و"سيتي ستارز" السعودية اتفاقاً مع حكومة الانقلاب لإطلاق مشروع "مراسي البحر الأحمر" على مساحة 10 ملايين متر مربع (2426 فداناً) باستثمارات تقترب من 900 مليار جنيه (17 مليار دولار). المشروع الذي يقع في منطقة "سوما باي" على ساحل البحر الأحمر، يمنح العبار السيطرة الكاملة على منطقة استراتيجية حيوية.

 

هذا الاستحواذ على ساحل البحر الأحمر ليس مجرد مشروع عقاري، بل تهديد مباشر للأمن القومي المصري، خاصة في ظل علاقات العبار المعروفة مع الكيان الصهيوني. السؤال المطروح: كيف يُسمح لرجل أعمال مرتبط بإسرائيل بالسيطرة على مناطق استراتيجية على البحر الأحمر، وهو الممر المائي الحيوي لمصر والمنطقة؟

 

وسط البلد.. قلب القاهرة للبيع

 

لكن طموحات العبار لم تتوقف عند حد الساحل الشمالي والبحر الأحمر، بل امتدت إلى قلب القاهرة نفسه. في حديثه التلفزيوني مع الإعلامي أحمد موسى في سبتمبر 2025، أعلن العبار بوضوح: "عيوننا على وسط البلد"، واصفاً قلب العاصمة بأنه "قلب الأمة العربية".

 

الرجل تحدث بحماس عن "إعادة رونق المنطقة"، لكن خلف الخطاب العاطفي الزائف تكمن رغبة واضحة في الاستحواذ على أراض ومبان تاريخية وتحويلها إلى مشروعات تجارية تعيد تشكيل هوية المكان بما يخدم مصالح رأس المال الخليجي، لا مصالح الشعب المصري.

 

هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ. في سبتمبر 2019، أصدر السيسي قراراً بنقل مجموعة من الأصول العقارية بالغة الأهمية من ملكية الدولة إلى صندوق مصر السيادي. وفي يونيو 2020، خرج المدير التنفيذي للصندوق ليؤكد أن "شهية المستثمرين للاستثمار في مجمع التحرير كبيرة جداً". هذه الخطوات مهدت الطريق لتحويل وسط البلد إلى مسرح مفتوح أمام رؤوس الأموال الخليجية، وعلى رأسها الإماراتية.

 

استثمارات غير منتجة.. لا فرص عمل ولا تنمية حقيقية

 

محمد رمضان، الباحث الاقتصادي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أوضح أن السؤال الأساسي حول الاستثمارات العقارية الأجنبية في زمن الانقلاب لا يتعلق بحجم الأراضي، بل بـالنمط التنموي لهذه الاستثمارات. وأكد أن معظم الاستثمارات الإماراتية والسعودية في القطاع العقاري تتمثل في شراء أراضٍ وبناء وحدات فاخرة مرتبطة بالدولار، ما يؤدي لارتفاع أسعار العقارات ككل ويؤثر سلباً على ميزان المدفوعات المصري.

 

وأضاف رمضان أن "القطاع العقاري لا يساهم بشكل كبير في تشغيل الاقتصاد أو تحقيق التنمية المستدامة مقارنة بالمشروعات الإنتاجية". هذا النمط الاستثماري، إذا كان هو الشكل الوحيد لجذب الاستثمارات الأجنبية، لا يخدم النمو الاقتصادي الشامل ولا يخفف من حدة البطالة، بل يعزز الاعتماد على تحويلات الأرباح للخارج وليس على استثمارات إنتاجية مستدامة.

 

ارتفاع الأسعار وتدمير الطبقة الوسطى

 

أشار رمضان إلى أن "دور دولة العسكر في تسعير الأراضي ورفع أسعارها، خاصة في مناطق المجتمعات الجديدة، ساهم بشكل كبير في إزاحة السوق ككل نحو الأسعار المرتفعة حتى في الوحدات الموجهة للطبقة الوسطى في مصر". النتيجة: تدمير كامل للطبقة الوسطى التي لم تعد قادرة على شراء مسكن أو تأمين حياة كريمة لأبنائها.

 

الوحدات الفاخرة التي يبنيها العبار ومثيله من المستثمرين الخليجيين لا تخدم المصريين، بل تُباع لأثرياء الخليج وللمضاربين، بينما المواطن المصري البسيط ينتظر في طوابير الإسكان الاجتماعي التي لا تنتهي.

 

2 مليار دولار في 3 أيام.. جنون المضاربة

 

في أكتوبر 2025، كشف العبار عن مشهد صادم: "أطلقنا مشروعاً في مصر، وفي 3 ليالٍ فقط، جمعنا 2 مليار دولار عن طريق الهاتف فقط، دون مركز مبيعات أو تصاميم داخلية". وأضاف بفخر: "لم أعرض عليهم أي شيء، ولم يسألوا عن أي شيء... الناس تحول الأموال دون أن تسأل عن التصميم الداخلي أو نوع البلاط".

 

هذا المشهد يكشف جنون المضاربة العقارية الذي يسود مصر، حيث يشتري الأثرياء الخليجيون الوحدات بالمليارات دون حتى رؤيتها، بينما المصريون يعيشون في العشوائيات والمناطق المتهالكة.