رغم القوانين التي تزعم حماية حقوق العمال في دولة الإمارات، لا يزال آلاف المصريين المغتربين يعانون من واحدة من أبشع صور الانتهاك الإنساني والمهني: احتجاز جوازات السفر من قبل أصحاب العمل. هذه الممارسة، التي تنتهك صراحة قوانين العمل الإماراتية، تعكس بوضوح فشل نظام الكفالة في ضمان الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية للعمال، وسط تواطؤ رسمي أو صمت مؤسسي مخزٍ، سواء داخل الإمارات أو من الحكومة المصرية.

 

وناشد بعض العمال في فيديو يبرز استغاثتهم كلا من سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، ومحمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، التدخل العاجل لإنقاذهم. موضحين أنهم يعيشون أوضاعًا مأساوية بعد أن قام الكفيل باحتجاز جوازات سفرهم ومنعهم من مغادرة الدولة أو تغيير جهة العمل.

 

وأكدوا لا نستطيع العودة إلى بلادنا، ولا نملك وسيلة لحماية أنفسنا. لقد استنفدنا كل الطرق القانونية دون جدوى. نرجوكم النظر إلينا بعين الرحمة، وإعادتنا إلى وطننا وأهلنا بكرامة. ومش عايزين فلوس.

 

قانون بلا تطبيق: نصوص شكلية تعجز عن حماية الضحايا

 

ينص قانون تنظيم علاقات العمل الإماراتي رقم 33 لسنة 2021، على حظر صريح لاحتجاز الوثائق الرسمية، ومن ضمنها جوازات السفر، دون أمر قضائي. كما تؤكد وزارة الداخلية ووزارة الخارجية الإماراتية أن احتجاز الجوازات مخالف للقانون وغير مسموح به.

 

لكن الواقع مختلف تمامًا. فغالبية الشركات وأرباب العمل يحتجزون جوازات العمال كأداة للسيطرة والابتزاز، دون أن يواجهوا أي عواقب. لا تفعيل حقيقي للرقابة، ولا عقوبات رادعة تفرض على المخالفين، مما حول هذا الانتهاك إلى أمر واقع مألوف.

 

نظام الكفالة.. قيد قانوني يربط العامل بالكفيل

 

نظام الكفالة في الإمارات يمنح صاحب العمل سلطة شبه مطلقة على العامل، حيث يتحكم في الإقامة والعمل وحتى مغادرة الدولة. وهو ما يؤدي إلى سلسلة من الانتهاكات مثل:

  • مصادرة جواز السفر
  • التهديد بالترحيل
  • تأخير الرواتب
  • الإجبار على العمل القسري
  • منع تغيير جهة العمل

 

هذه الانتهاكات تمثل جوهر العبودية الحديثة، بحسب منظمات حقوقية دولية مثل ADHRB، التي وصفت نظام الكفالة بأنه "إطار قانوني يسهل الاستغلال ويُشرعن الانتهاك".

 

حالات واقعية... وصرخات لا تجد من يسمع

 

من أبرز القضايا الأخيرة، كانت استغاثة المصرية ميار نبيل في نوفمبر 2025، بعد أن احتجزها زوجها مع طفلتها داخل شقة في الإمارات، مع قطع الكهرباء والمياه وإلغاء الإقامة. كما كشف عاملون مصريون عن قضايا ملفقة مثل الاختلاس لمنعهم من استرداد جوازاتهم.

 

العاملات المنزليات أيضًا يعانين وضعًا أكثر هشاشة، حيث إن قانون العمل لا يشملهن، ما يجعلهن فريسة سهلة للحبس، الإكراه، وسوء المعاملة. أحد المصريين احتُجز جوازه أربع سنوات، ولم تُحل مشكلته إلا بعد تدخل قنصلي طويل الأمد.

 

تقاعس الحكومة المصرية: شجب بلا فعل

 

رغم تكرار الانتهاكات، لا تزال مكاتب التمثيل العمالي التابعة لوزارة القوى العاملة المصرية ضعيفة الأداء، وتفتقر للإمكانيات أو الإرادة السياسية اللازمة لحماية المغتربين. دورها غالبًا شكلي، وبياناتها لا تتعدى حدود "نحن نتابع".

 

في المقابل، لا تبذل وزارة الهجرة أو الخارجية أي جهد حقيقي لمواجهة هذه الممارسات مع الجانب الإماراتي، ويُترك المصريون وحدهم في مواجهة نظام قانوني معقد وجهاز أمني لا يتسامح مع الاحتجاج أو الشكوى.

 

كفى صمتًا على العبودية

 

ما يجري اليوم في الإمارات تحت غطاء الكفالة هو عبودية حديثة تمارس بغطاء قانوني هش، وبتواطؤ دولي صامت. المصريون هناك ليسوا أرقامًا في تقارير تحويلات المغتربين، بل بشر يجب أن تُحمى حقوقهم وتصان كرامتهم.

 

واستمرار احتجاز جوازات السفر، في ظل غياب أي تدخل جاد من الحكومة ، هو عار وطني يستدعي وقفة حقيقية.

 

في القرن الـ21، لا مجال لمساومة الإنسان على حريته، ولا يجوز أن يكون جواز السفر ورقة ضغط في يد من يملك المال والنفوذ.