كشفت تسريبات نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية عن خطة أمريكية مثيرة للجدل تقترح تقسيم قطاع غزة إلى منطقتين: "خضراء" تُخصص لإعادة الإعمار وتكون تحت سيطرة إسرائيلية ودولية، و"حمراء" تُترك في حالة دمار.
وتأتي هذه الخطة في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية والدبلوماسية بشأن مستقبل غزة بعد العدوان الإسرائيلي، وسط تصريحات إسرائيلية متطرفة تدعو للتهجير ونفي وجود الشعب الفلسطيني، مما يهدد بنسف أي مسار سياسي واقعي.
تفاصيل الخطة الأمريكية: "منطقة خضراء" وممر للاندماج
وفقًا للوثائق الأمريكية التي اطلعت عليها الجارديان، فإن المخطط يقوم على نشر قوات أجنبية بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي في شرق غزة، لتأمين "منطقة خضراء" يُعاد فيها إعمار القطاع تدريجيًا حتى 2027.
ويفصل هذه المنطقة عن باقي غزة "الخط الأصفر"، الذي يخضع حاليًا لسيطرة إسرائيلية فعلية.
ويُتوقع أن يتم تشجيع المدنيين الفلسطينيين على الانتقال طوعًا إلى هذه المناطق، فيما يصفه مسؤولون أمريكيون بأنه "مسار لإعادة توحيد غزة"، عبر الإغراء بالخدمات والظروف المعيشية الأفضل.
قال أحد المسؤولين الأمريكيين، مبررًا الفكرة: "مع الوقت، سيزدهر من ينتقل إلى هناك، وسيرغب الآخرون في اللحاق بهم... لا نتحدث عن فرض عسكري مباشر، بل تحفيز مدني".
لكن الخطة أثارت انتقادات واسعة، إذ شبّهها كثيرون بـ"المنطقة الخضراء" في بغداد وكابول، التي أصبحت رموزًا للفشل الأمريكي في العراق وأفغانستان، وملاذًا للنخب المعزولة عن واقع الدمار المحيط.
تصعيد إسرائيلي: لا للدولة الفلسطينية ولا للشعب الفلسطيني
بينما تتحدث واشنطن عن "السلام"، تتزايد التصريحات العدوانية من كبار المسؤولين الإسرائيليين. فقد صعّد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير من لهجته، مجددًا إنكار وجود شعب فلسطيني، ووصف الفلسطينيين بأنهم "اختلاق بلا أساس تاريخي"، داعيًا إلى التهجير القسري تحت مسمى الهجرة الطوعية.
في السياق نفسه، دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إصدار بيان رسمي "ينفي نهائيًا إمكانية قيام دولة فلسطينية"، مؤكدًا أن ما يُطرح في مجلس الأمن "مرفوض تمامًا من إسرائيل".
الموقف العربي والدولي: بين دعم أمريكي واعتراض مصري
في تحرك متزامن، أصدرت الولايات المتحدة بيانًا مشتركًا مع مصر وقطر والسعودية والإمارات وتركيا والأردن وباكستان وإندونيسيا، تدعو فيه لتبني مشروع قرار أمريكي مقدم إلى مجلس الأمن الدولي، باعتباره "مسارًا عمليًا نحو السلام والاستقرار".
لكن في المقابل، عبّرت مصر رسميًا عن رفضها الكامل لأي محاولة لتقسيم غزة أو تهجير سكانها. وقال وزير الخارجية بدر عبد العاطي في حوار مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية: "الحفاظ على وحدة الأراضي الفلسطينية هو حجر الأساس لأي حل عادل ودائم".
وأكد أن حل الدولتين هو الخيار الواقعي الوحيد، مشيرًا إلى التزام القاهرة بـ"تنفيذ بنود اتفاق شرم الشيخ" بما فيها وقف إطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي دون إملاءات أو تقسيمات.
مجلس الأمن أمام اختبار دولي حاسم
من المتوقع أن يشهد مجلس الأمن الدولي نقاشًا محتدمًا حول المشروع الأمريكي، وسط دعم إقليمي واسع وضغط دبلوماسي أمريكي، مقابل تحفظات روسية وصينية قد تترجم باستخدام حق النقض (الفيتو)، كما تطالب حركة حماس، التي وصفت الخطة بأنها محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال بصيغة مدنية.
ويتضمن القرار الأمريكي أيضًا إنشاء مجلس السلام العالمي كهيئة انتقالية لإدارة غزة حتى 2027، إلى جانب تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة تنسّق مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية.
إلا أن غياب أي ضمانات لقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وعدم الإشارة لقرارات الشرعية الدولية مثل القرار 242، يجعل من المشروع أقرب إلى خطة سياسية لتثبيت الواقع الميداني لا تغييره.
غزة على مفترق طرق دولي
في ظل هذا المشهد المعقّد، يبدو أن غزة تتجه نحو مفترق طرق حاسم، حيث تتقاطع مصالح الاحتلال، والطموحات الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة، مع المواقف المتباينة من الدول الإقليمية والدولية.
لكن في جوهر الأمر، يبقى مصير أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع رهين هذه التفاهمات الدولية، التي يُخشى أن تُرسّخ الاحتلال وتعيد إنتاجه بأدوات جديدة، بدلاً من أن تحقق سلامًا حقيقيًا يعترف بالحقوق الوطنية الكاملة للشعب الفلسطيني.

