خيّم الحزن والقلق على قرية هورين في مركز بركة السبع بمحافظة المنوفية، بعدما وردت أنباء عن اختطاف ثلاثة مصريين في دولة مالي على أيدي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي طالبت بفدية قدرها 5 ملايين دولار مقابل الإفراج عنهم.
وبينما ينتظر الأهالي أي خبر يطمئنهم على أبنائهم، تحوّل المشهد إلى حالة من الغضب المكتوم بعد أن تدخلت حكومة الانقلاب للضغط على ذوي المختطفين لإجبارهم على الإدلاء بتصريحات إعلامية تنفي وجود أي فدية وتشيد بالجهود الرسمية، في الوقت الذي تتجاهل فيه الدولة واقع الأزمة وترفض اتخاذ أي خطوة حقيقية لإنقاذ أرواح مواطنيها.
قصة الاختطاف: رحلة عمل انتهت بالخطف والسكات الرسمي
المختطفون صالح سمري وإبراهيم شاهين من أبناء القرية، اعتادا السفر إلى مالي منذ سنوات طويلة للعمل في تجارة الأدوات المنزلية، وعرف عنهما الأخلاق الحسنة والعمل الشريف.
وخلال رحلتهما الأخيرة، وبينما كانا في طريق العودة من عملهما إلى العاصمة باماكو، اعترضت طريقهما مجموعة مسلحة، وانقطع الاتصال بهما منذ نحو 20 يومًا.
لم تتلق العائلة أي اتصال مباشر من الخاطفين، حتى أعلنت جماعة مرتبطة بالقاعدة مسؤوليتها، وأكدت في بيان رسمي أن قيمة الفدية المطلوبة خمسة ملايين دولار.
لكن بدلاً من أن تتحرك الحكومة لإنقاذ رجال بسطاء خرجوا بحثًا عن رزق شريف، بدأت الضغوط على أسر المختطفين لإجبارهم على نفي وجود فدية، والادعاء بأن الدولة "تتابع الأمر على أعلى مستوى".
ضغوط على الأهالي… ومنعهم من الحديث عن الحقيقة
مصادر داخل القرية أكدت أن ممثلين من أجهزة أمنية وإدارية تواصلوا مع أهالي المختطفين، وطلبوا منهم عدم الإدلاء بأي تصريحات إعلامية تتحدث عن الفدية أو عن تقصير الدولة، وأن يكتفوا بعبارات عامة حول "ثقتهم في جهود الحكومة".
وفي مقابلات سابقة، بدا واضحًا أن بعض أفراد العائلة تحدثوا بحذر شديد، واستخدموا عبارات مدروسة تشيد بالدولة وتنفي علمهم بالفدية، رغم أن المعلومات التي أعلنتها الجماعة الخاطفة تؤكد العكس تمامًا.
هذه السياسة تكشف نمطًا معروفًا من تعامل السلطة مع الأزمات:
- إدارة إعلامية للكارثة، لا حل حقيقي لها.
- تجميل الصورة على حساب حياة البشر.
حكومة بلا نية للفعل.. فقط بيانات وتجميل إعلامي
رغم خطورة الموقف، لم تعلن الحكومة المصرية أي خطة واضحة للتحرك الدبلوماسي أو التفاوض أو التنسيق الدولي، بل اكتفت بتصريحات العلاقات العامة من وزير الخارجية المصري، يؤكد فيها أن الدولة "تتابع الموقف عن كثب".
الواقع أن الحكومة لا تنوي دفع الفدية ولن تتحرك فعليًا لإنقاذ المختطفين، ليس فقط لأنها ترفض مبدأ دفع الأموال، بل لأن النظام المصري الحالي لا يعتبر حياة مواطنيه أولوية عندما يتعلق الأمر بملف قد يجر عليه إحراجًا سياسيًا أو يظهر عجزه.
المفارقة المؤلمة أن الدولة تدفع المليارات في مشروعات استعراضية لا طائل منها، بينما تتحجج بالعجز المالي عن إنقاذ ثلاثة مواطنين لا يملكون سندًا سياسيًا ولا ظهرًا إعلاميًا.
أهالي المختطفين: الخوف يقتلنا كل يوم
الأهالي في قرية هورين يعيشون أيامًا من القلق والانتظار والعجز.
كل يوم يمر بلا خبر يزيد الألم والخوف، ويدفع العائلات إلى الهاوية النفسية، خصوصًا وأن الدولة تمنعهم من الحديث بحرية عن معاناتهم، بينما الإعلام الرسمي يتجاهل القضية أو يقدمها بصيغة مطمئنة زائفة.
صوت الأهل الحقيقي هو ما قاله عم المختطف صالح سمري: "لا يمر يوم دون أن ندعو الله لعودتهما سالمين… نحن لا نطلب إلا الاطمئنان عليهم."
لكن هذه الكلمات البسيطة تغيب خلف ضجيج إعلامي رسمي لا يهتم إلا بتلميع الحكومة.
أين الدولة من مواطنيها؟
في الدول التي تحترم إنسانية المواطن، تتحرك الحكومات بكل أدواتها لإنقاذ أبنائها، وتتحدث بشفافية مع الأهالي، لا تضغط عليهم ليغلقوا أفواههم.
أما في مصر اليوم، فالحكومة تنكر وجود فدية رغم إعلان الخاطفين عنها رسميًا، وتمنع الأسر من قول الحقيقة، وتكتفي ببيانات جوفاء لا تقدم ولا تؤخر.
القضية تتجاوز مجرد عملية خطف.. إنها فضيحة دولة تتعامل مع حياة مواطنيها كعبء، لا كمسؤولية.

