أعربت منظمات حقوقية عن قلقها البالغ إزاء تصاعد نمط "العقاب بالوكالة" الذي تلجأ إليه السلطات المصرية منذ سنوات وتفاقم في الشهور الأخيرة، والمتمثل في استهداف أفراد عائلات النشطاء والمعارضين المقيمين في الخارج، عبر المداهمات والاعتقالات والاختفاء القسري، بهدف الضغط عليهم أو معاقبتهم على آرائهم وأنشطتهم السلمية.
واعتبرت في بيان مشترك، أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحرية والأمان الشخصي، واحترام الحياة الخاصة، وحماية الأفراد وأسرهم من أي شكل من أشكال العقوبة الجماعية أو الانتقام.
اعتقال السيد صبحي عيد
وفي 22 أكتوبر 2025، اعتقلت قوات من الأمن الوطني المواطن السيد صبحي عيد (63 عامًا)، والد الناشط سيف الإسلام عيد، من منزله في منطقة المندرة شرق الإسكندرية، واقتادته إلى جهة غير معلومة، بعد أن داهمت في اليوم نفسه منزل أسرته في كفر الدوار ومنزل والد زوجته البالغ من العمر 82 عامًا.
وخلال المداهمات، استجوب الأمن عددًا من الأقارب حول نشاط سيف في الخارج. وظل والده مختفيًا قسريًا لمدة ثلاثة أيام قبل أن يظهر في 25 أكتوبر أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رقم 6468 لسنة 2025 بتهم الانضمام وتمويل جماعة محظورة، دون تمكينه من التواصل مع محامٍ أو أسرته خلال فترة الإخفاء.
يُذكر أن سيف الإسلام عيد هو مقدم بودكاست "عنبر كله يسمع"، وهو أول بودكاست مصري يوثّق الحياة داخل السجون بعد عام 2013 من خلال شهادات معتقلين سابقين، كما يساهم بانتظام في عدد من المنصات الإعلامية المستقلة.
ويرى عيد أن اعتقال والده جاء كعمل انتقامي مباشر بعد حلقة حديثة من البودكاست استضاف فيها معتقلًا سياسيًا سابقًا تحدث عن تجربة تعذيبه داخل أحد أكثر مراكز الاحتجاز سرية في مصر، وهو سجن العزولي.
واعتقل السيد صبحي عيد سابقًا في 30 أبريل 2025 واحتُجز لمدة 18 يومًا، خضع خلالها لتحقيقات تناولت نشاط ابنه في الخارج، قبل أن يُفرج عنه دون توجيه تهم.
الاستهداف الأسري الانتقامي
ورأت المنظمات الحقوقية، أن هذا التسلسل من الاعتقالات يعكس استمرار ممارسات الاستهداف الأسري الانتقامي، حيث يُحتجز ذوو النشطاء ويُستجوبون بشأن أنشطة أقاربهم المقيمين خارج البلاد، في انتهاك واضح لضمانات العدالة والإجراءات القانونية الواجبة.
وأشارت إلى أن هذه الحالة لا تمثل واقعة معزولة؛ ففي مايو 2025، ظهر سيد خميس أمام النيابة العامة بعد اختفاء قسري دام ثلاثة أسابيع عقب اعتقاله دون سند قانوني، على خلفية نشاط شقيقه الحقوقي المقيم في الخارج، فيما تمّ اعتقال شقيقه الآخر شعبان خميس لفترة وجيزة قبل الإفراج عنه بسبب حالته الصحية.
وفي واقعة سابقة، اعتقلت قوات الأمن في أغسطس 2023 والد الصحفي أحمد جمال زيادة واحتجزته لعدة أيام قبل الإفراج عنه، في خطوة وصفتها منظمات حقوقية بأنها محاولة واضحة للانتقام من ابنه بسبب عمله الصحفي ونشاطه الإعلامي من الخارج.
وفي واقعة مشابهة، استهدفت السلطات المصرية أقارب المدافع عن حقوق الإنسان محمد سلطان عبر مداهمة منازل عائلته واعتقال عدد من أفرادها في عام 2020، في محاولة واضحة للضغط عليه بعد رفعه دعوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد مسؤولين مصريين سابقين.
وخلال عام 2025، تصاعدت الانتهاكات بحق والده الدكتور صلاح سلطان المحتجز داخل أحد السجون المصرية، حيث تعرض لمعاملة قاسية وإهمال طبي متعمّد يُعتقد أنه جاء انتقامًا من نشاط ابنه الحقوقي في الخارج.
كما أُحيل الصحفي والباحث عبد الرحمن عياش إلى المحاكمة الغيابية أمام دوائر الإرهاب في سبتمبر 2024، على خلفية عمله الإعلامي والحقوقي من المنفى، بينما تعرض عدد من أفراد أسرته داخل مصر لمضايقات واستدعاءات أمنية مرتبطة بنشاطه، في إطار سياسة ممنهجة لمعاقبة النشطاء من خلال ذويهم داخل البلاد.
وفي عام 2020، ألقت قوات الأمن القبض على أربعة من أقارب الإعلامى هشام عبدالله المقيم بتركيا ويخضع ثلاثة منهم حاليًا للمحاكمة بتهم سياسية أمام دوائر الإرهاب.
أما حسيبة محسوب (شقيقة الوزير الأسبق للشؤون النيابية في حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي) فتظل رهن الاحتجاز التعسفي منذ يناير 2020 وقررت السلطات مؤخرًا إحالتها للمحاكمة بتهم "الإرهاب"- بعد أن تجاوزت الحد الأقصى للحبس الاحتياطي المقرر في القانون وهو عامان- وهي المحاكمة التي انعقدت أولى جلساتها في أكتوبر الماضي.
الانتقام الممنهج من عائلات المعارضين
وقالت المنظمات الحقوقية، إن هذه الأسر تتعرض لمداهمات متكررة ومصادرة ممتلكات وفصل تعسفي من الوظائف العامة، ضمن نمط أوسع من الانتقام الممنهج من عائلات النشطاء والصحفيين والمعارضين.
كما تم منع عدد من السيدات من السفر وسحب جوزات سفرهن أثناء اعتزامهن السفر لأداء العمرة أو الحج أو زيارة أقاربهن بالخارج، وتم بعدها استدعاء عدد منهم إلى مقرات الأمن الوطنى بشكل غير قانون واستجوابهن عن أقاربهم من المعارضين المقيمين بالخارج.
وخلال عامي 2024 و2025، أظهر رصد المنبر المصري لحقوق الإنسان توثيق ما لا يقل عن 12 حالة من ممارسات العقاب بالوكالة ضد أسر نشطاء وصحفيين ومدافعين مصريين مقيمين في الخارج. وتُظهر هذه البيانات أن السلطات المصرية تتعامل مع الروابط الأسرية كامتداد لمساحات السيطرة السياسية، حيث أصبح الاحتجاز والملاحقة أداة لإسكات الأصوات الناقدة في الخارج عبر إيذاء ذويهم في الداخل، في منحى خطير من الانتقام العابر للحدود.
وطالبت الجهات الحقوقية السلطات المصرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن السيد صبحي عيد وسيد خميس وغيرهما من ضحايا العقاب بالوكالة، ووقف ممارسات الانتقام من أسر النشطاء والمعارضين، والكشف عن أماكن جميع المختفين قسرًا.
ودعت إلى فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في الانتهاكات المرتكبة من قبل أجهزة الأمن الوطني، ومحاسبة المسؤولين عنها.
وحذرت من أن استمرار استخدام العائلة كوسيلة للعقاب السياسي يشكل انتهاكًا صارخًا لكل الأعراف القانونية والإنسانية، ويؤكد أن أجهزة الدولة المصرية تُمارس القمع ليس فقط ضد النشطاء والمدافعين بالمهجر، بل ضد دوائرهم الأسرية والاجتماعية بأكملها.
المنظمات الموقعة على البيان
وفيما يلي أسماء المنظمات الموقعة على البيان:
- المنبر المصري لحقوق اﻹنسان
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- الديمقراطية الرقمية الآن
- منصة اللاجئين في مصر
- مركز النديم
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
- ايجيبت وايد لحقوق الإنسان
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT)، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان
- الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ( FIDH ) ، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان
- مركز ديمقراطية الشرق الأوسط (MEDC)
- ريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- منظمة القلم - أمريكا
- لجنة حماية الصحفيين
- الأورو-متوسطية للحقوق
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية

