في الوقت الذي تحتفي فيه الحكومة بعقدٍ استثماري ضخم مع شركة "ديار" القطرية، يقضي ببيع نحو 4900 فدان في منطقة سملا علم الروم بمحافظة مرسى مطروح مقابل 3.5 مليار دولار، يتصاعد الغضب بين أهالي المنطقة بسبب ما وصفوه بـ"التعويضات الهزيلة" عن أراضيهم ومنازلهم.
الأهالي لا يعارضون مشروعات التنمية، بل يؤكدون دعمهم لها، لكنهم يتمسكون بحقوقهم في تعويض عادل يتناسب مع القيمة السوقية للأرض، لا بأسعار مجحفة تعود لخمسة أعوام مضت.
الأهالي: لا نرفض التطوير.. لكن نرفض الظلم
أكد عدد من أهالي منطقة سملا علم الروم بمحافظة مرسى مطروح أنهم لا يرفضون مخطط تطوير المنطقة من قبل شركة “ديار” القطرية، لكنهم طالبوا بالحصول على تعويضات عادلة عن منازلهم وأراضيهم، معتبرين أن المبالغ المقترحة “هزيلة” وتستند إلى أسعار تعويضات منطقة رأس الحكمة التي أقرت قبل خمس سنوات.
قال الأهالي، وفق صحيفة الشروق المحلية، إن التعويضات التي عرضتها لجنة هيئة المجتمعات العمرانية في أكتوبر الماضي لا تتناسب مع القيمة الحالية للأرض، حيث قُدرت بنحو 300 ألف جنيه للفدان المزروع، وهو مبلغ يقل كثيرًا عن القيمة السوقية.
تفاوت صارخ بين البيع للحكومة والتعويض للأهالي
وأوضح الحاج وازن علوش، أحد السكان، أن قيمة الفدان في عقد البيع للجانب القطري بلغت 49 مليون جنيه، بينما يُعرض عليهم 300 ألف جنيه فقط كتعويض. هذا التفاوت الضخم يكشف عن فجوة كارثية في آلية التقدير الرسمي، ويعزز شعور الأهالي بأنهم يُجبرون على التنازل عن أراضيهم لصالح صفقات استثمارية لا تراعي حقوقهم الأساسية.
من الترحيب إلى الصدمة
وأضاف هلال حميدة العوامي أن الأهالي رحبوا في البداية بالمشروع كونه يصب في الصالح العام، لكنهم فوجئوا بأن التعويضات المقترحة هي نفسها التي طُبقت في رأس الحكمة عام 2020، رغم اختلاف الظروف الاقتصادية بشكل كبير. وأشار إلى أن الأرض البديلة التي تم تحديدها لهم في منطقة الغابة الشجرية تزيد قيمتها عن التعويض المقدم، مما يجبرهم على دفع فروق مالية كبيرة.
المزارع والمساكن في مهب الريح
كما نقلت الجريدة عن الشيخ بدر دغيم العوامي أن المنطقة المخصصة للمشروع تضم نحو 200 منزل مأهول بالسكان وما بين 300 إلى 350 فدانًا مزروعًا، وتسكنها قبائل العوامة والأفراد والقنيشات وعائلات أخرى، مؤكدًا أنهم لجأوا إلى نائب المنطقة عيسى أبو تمر لعرض مطالبهم ودعمهم لتوجه الدولة الاستثماري شريطة تحقيق العدالة.
الحكومة تروّج للمشروع.. وتتجاهل الأزمة الاجتماعية
وبدوره، أكد محافظ مطروح، اللواء خالد شعيب، أن مشروع سملا علم الروم يمثل استكمالًا لمنظومة المشروعات القومية التي ستوفر فرص عمل وتجلب استثمارات خليجية، مما يعود بالنفع والتنمية على أهالي المحافظة.
لكن التصريحات الرسمية تتجاهل جوهر الأزمة، وهي أن الدولة تُقيم قيمة الأرض عند البيع لمستثمر أجنبي بملايين الجنيهات للفدان، في حين تقترح على الأهالي تعويضات لا تكاد تغطي قيمة الأرض البديلة.
صفقة المليارات: لمن تعود المنفعة؟
وكانت الحكومة قد وقعت مع شركة ديار القطرية عقد بيع 4900 فدان بمنطقة سملا علم الروم بقيمة 3.5 مليار دولار، مع ضخ استثمارات إنشائية تقدر بأكثر من 29 مليار دولار. المشروع يبدو على الورق فرصة تنموية كبرى، لكنه في الواقع يعكس اختلالًا في ميزان العدالة الاجتماعية، ويضع علامات استفهام حول طريقة إدارة الدولة لعلاقتها بالمواطنين في المناطق المستهدفة بالمشروعات الاستثمارية.
بين التنمية والاستيلاء: صوت المواطن يجب أن يُسمع
يطالب أهالي سملا علم الروم بتسعير أراضيهم ومنازلهم بما يعكس القيمة الحقيقية، لا بناءً على تقديرات قديمة. ويشددون على أن التنمية لا يمكن أن تُبنى على حساب تهميش المواطن وإجباره على القبول بتعويضات مجحفة. المشروع، بقدر ما يحمل وعودًا بالمستقبل، فإنه قد يتحول إلى نموذج جديد من مشاريع "التنمية القسرية" ما لم تتم الاستجابة لمطالب الأهالي وتحقيق العدالة في التعويض.
التنمية لا تعني الإزاحة القسرية
مشروع سملا علم الروم قد يكون خطوة اقتصادية مهمة، لكنه في صورته الحالية يُعيد إنتاج نمط من التنمية يهمّش المواطن لصالح المستثمر. فإذا كانت الدولة تُراهن على جذب رؤوس الأموال الخليجية، فعليها أيضًا أن تراهن على كسب ثقة المواطن عبر احترام حقوقه وتعويضه بشكل منصف. التنمية الحقيقية لا تبدأ من صفقات بمليارات الدولارات، بل من إنصاف الناس الذين يعيشون على الأرض ويزرعونها ويحمونها

