في حادثة مأساوية جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات داخل السجون المصرية، توفي الدكتور علاء العزب، عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة زفتى بمحافظة الغربية (بعد ثورة يناير 2011)، داخل محبسه في مجمع سجون بدر. لم تكن هذه الوفاة مفاجئة، بل جاءت تتويجًا لسنوات من الإهمال الطبي الممنهج الذي وثقته أسرته في استغاثات متكررة قبل فوات الأوان. تحمل أسرة العزب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وحكومته المسؤولية الكاملة عن وفاته، مؤكدة أن ما حدث هو "قتل بطيء" نتيجة الحرمان المتعمد من الرعاية الصحية اللازمة.
استغاثات الأسرة: صرخات في وادٍ سحيق
قبل أن يلفظ الدكتور علاء العزب أنفاسه الأخيرة، كانت أسرته قد رفعت صوتها مرارًا وتكرارًا، محذرة من التدهور الخطير في حالته الصحية داخل السجن. هذه الاستغاثات، التي تم تداولها عبر منصات حقوقية وإعلامية، مثلت محاولات يائسة لإنقاذ حياته من براثن الإهمال الطبي.
كانت الرسائل واضحة: الدكتور العزب، كغيره من المعتقلين المرضى، كان يُحرم من الأدوية الأساسية، ويُمنع من إجراء الفحوصات الطبية الدورية، ويُقابل طلبه للعلاج بالتسويف والرفض. هذه الشهادات تؤكد أن الوفاة لم تكن قضاءً وقدرًا، بل كانت نتيجة مباشرة لقرار إداري بمنع الرعاية الصحية، وهو ما يرقى إلى مستوى القتل العمد بالإهمال. لقد تحولت استغاثات الأسرة إلى وثيقة إدانة مسبقة، تثبت علم السلطات بخطورة حالته وتجاهلها المتعمد لنداءاتهم.
الإهمال الطبي الممنهج: أداة للعقاب
تؤكد المنظمات الحقوقية أن حالة الدكتور علاء العزب ليست استثناءً، بل هي جزء من نمط واسع وممنهج للإهمال الطبي داخل السجون، وخاصة في مجمع سجون بدر الذي يضم معتقلي الرأي. هذا الإهمال لا يقتصر على نقص الأدوية، بل يمتد ليشمل:
1.ظروف الاحتجاز القاسية: الحبس الانفرادي، وسوء التهوية، وسوء التغذية، التي تزيد من تدهور صحة المعتقلين.
2.القيود على الزيارات: منع الزيارات العائلية أو تقييدها بشدة، مما يحرم السجين من الدعم النفسي والاطمئنان على حالته.
3.التأخير المتعمد: التأخير في نقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات المتخصصة، أو إعادتهم إلى السجن فورًا دون استكمال العلاج.
هذه الممارسات، التي تهدف إلى التضييق على المعتقلين، تحول المرض إلى عقوبة إضافية، وتجعل من السجن بيئة مميتة للفئات الأكثر ضعفاً.
إدانة حقوقية واسعة: مطالبة بالتحقيق الدولي
أثارت وفاة الدكتور العزب موجة غضب وإدانة واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، التي وصفت ما يحدث بأنه "قتل خارج إطار القانون" عبر الإهمال. وقد طالبت هذه المنظمات بفتح تحقيق دولي ومحايد في جميع حالات الوفاة داخل السجون، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
من أبرز المنظمات التي أدانت الإهمال الطبي والانتهاكات في السجون المصرية، وتحديداً في سجن بدر:
منظمة العفو الدولية (Amnesty International): التي وثقت حالات حرمان متعمد من الرعاية الصحية للسجناء السياسيين.
مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان (CFJ): التي أصدرت بيانات مشتركة تدين تصاعد الانتهاكات في سجن بدر وتنامي محاولات الانتحار بسبب التضييق والإهمال الطبي.
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (CIHRS): الذي طالب بفتح تحقيق جاد ومستقل في حالات الوفاة والانتهاكات المتكررة.
التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (ECRF): التي أكدت أن الوفيات المتكررة هي نتيجة لسياسة ممنهجة.
تطالب هذه المنظمات بتمكين لجان دولية مستقلة من زيارة السجون ومراكز الاحتجاز لتقييم الأوضاع الصحية والإنسانية، ووقف سياسة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن هذه الوفيات.
وفي النهاية فوفاة الدكتور علاء العزب تؤكد أن السجون المصرية، وخاصة مجمع بدر، قد تحولت إلى مقابر للمعتقلين السياسيين والمرضى. إن تحميل أسرته للنظام المسؤولية عن وفاته، واستنادًا إلى استغاثاتهم السابقة، يضع عبئًا أخلاقيًا وقانونيًا على عاتق المجتمع الدولي للتدخل الفوري. فما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الإهمال الطبي الممنهج، ستظل كل وفاة داخل هذه السجون بمثابة جريمة قتل موثقة

