منطقة وسط البلد، هي قلب القاهرة النابض الذي لا يهدأ على مدار الساعة، تحتل مكانة كبرى في قلوب المصريين، في ظل تناسقها المعماري، وجمال شوارعها، الذي كان بضاهي جمال باريس، هي باختصار شاهدة على عراقة مصر وحضارتها الحديثة.

 

يكفيك أن تطل على تلك المباني العريقة والتي لا زالت صامدة شامخة تتحدى عوامل الزمن حتى بعد أكثر من 100 عام على إنشائها لتعود إلى ذلك الزمن البعيد، وأنت تعبر من شارع إلى شارع، تنظر بانبهار إلى تلك العقاراات المشيدة على الطراز الروماني واليوناني، التي أعطت الطابع الجمالي لـ "القاهرة الخديوية". 

 

متحف مفتوح

 

تمثّل منطقة وسط البلد، متحفًا مفتوحًا وحيّا للعمارة التراثية، وتضم أعمال المعماريين الأجانب الذين استُدعوا من فرنسا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا، والمعماريين المصريين الذين يمثلون الرواد الأوائل من معماريي مصر الذين ظهرت أعمالهم المعمارية خلال النصف الأول ومنتصف القرن العشرين من أجل بناء نهضة مصر العمرانية.

 

وتتعدد أهمية منطقة وسط البلد لما تزخر به من رصيد عمراني كبير لأكثر من 500 مبنى رسمي ذات قيمة تاريخية، تقف راسخة تقاوم في شموخ عوامل الزمن.

 

أما عن سر تسمينها بـ "القاهرة الخديوية"، فهو يرجع في الأساس لكونها ارتبطت تاريخيًا بعهود الخديوية الثلاثة، واكتسبت خلالها هذا الشكل المميز الأنيق، وشيدت وفق نسق معماري يبهر العيون.

 

في عهد الخديوي إسماعيل نقل معالم باريس إلى القاهرة، فيما سميت "القاهرة الإسماعيلية"، وجاء الخديوي توفيق فأنشأ "التوفيقية" شمال القاهرة الإسماعيلية، وبعده جاء الخديوي عباس حلمي الثاني الذي أسس المتحف المصري والعمارات الخديوية بشارع عماد الدين وبنك مصر.

 

ويعود تاريخ إنشاء القاهرة الخديوية إلى النصف الثاني من القرن الـ19 ومطلع القرن العشرين، وهي جامعةُ الطرز المعمارية المختلفة، وصُممت على منوال "باريس هاوسمان الجديدة" في ستينيات القرن الـ19.

 

حلم ساويرس القديم 

 

ولا يخفى أن هذه المنطقة كانت ولا زالت مطمعًا لرجال الأعمال الذين يسعون إلى الاستثمار فيها واستغلال موقعها المميز، الذي جعل المصريين يصفونه بـ "قطعة الجاتوه".

 

من أبرز هؤلاء الذين وضعوا أعينهم على منطقة وسط البلد، الملياردير ورجل الأعمال، نجيب ساويرس، الذين لم يخف حلمه في وضع يده على تلك المنطقة وحتى قبل سنوات من الآن، وتحديدًا في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كان يصب اهتمامه عليها آنذاك كون معظم وحداتها السكنية مؤجرة "إيجار قديم" لا يتجاوز بضع جنيهات للشقة الواحدة.

 

في عام 2015، اشترى ساويرس، قصر محمد محمود باشا، وزير الداخلية ورئيس الوزراء قبل ثورة 23 يوليو 1952، المواجه لوزارة الداخلية بوسط القاهرة، والذى كانت الجامعة الأمريكية تستخدمه مقراً لمكتبتها المركزية، وخصصه كمقر جديد لحزب "المصريين الأحرار" الذي أسسه عقب ثورة 25 يناير 2011. 

 

لكنه نفى شراء أي من عقارات وسط البلد عقب تطبيق إلغاء قانون الإيجار القديم، وصرح في مقابلة تلفزيونية في فبراير الماضي بأنه لا يمانع دخول شركات عربية للاستثمار في تطوير منطقة وسط البلد، لكنه شدد على أهمية وجود شركات محلية لضمان تحقيق مبدأ المنافسة العادلة في السوق.

 

العبار يدخل المنافسة

 

وقد دخل رجل الإعمال الإماراتي، محمد العبار على الخط مؤخرًا، مبديًا اهتمامه بتطوير منطقة وسط البلد، زاعمًا أن ذلك ليس فقط لأسباب تجارية، لكن بدافع شخصي للحفاظ على الهوية التاريخية والعمرانية لهذه المنطقة ورفع قيمتها الثقافية، مع التأكيد على أن المستثمرين في تلك المناطق يحتاجون إلى عقلانية وشفافية.

 

وأضاف العبار خلال مقابلة على هامش "مبادرة مستقبل الاستثمار" المنعقدة في الرياض: "أنا لما اتكلمت على موضوع وسط البلد أنا لم أتكلم عن موضوع إن إحنا عايزين الاستثمار".

 

وتابع: "أنا فتحت موضوع وسط البلد عشان أسوق فكرة كل العالم يتشجع على وسط القاهرة، بسبب جمال وسط البلد، مش عشان الاستثمار"، مشيرًا إلى أنه "وكذلك الحكومة عندها اهتمام، كان هدفي انشر الثقافة، وخلونا نتكلم على موضوع وسط البلد، الحكومة المصرية عندها مشاريع وأفكار".

 

وعن إمكانية استثماره في وسط البلد، قال العبار: "إذا أنا أعمل مشروع في وسط البلد، الأمر يعتمد على الموقع، يمكن في الموقع، إذا عملت حاجة في وسط البلد، أنا هعمل أحسن حاجة، ولا يمكن حد يعمل حاجة أحسن مني، مستحيل".

 

ويقول العبار إن هذه المنطقة تمثل عظمة القاهرة وتاريخها وهي المنطقة المحببة للشعب المصري، لافتًا إلى أن حبه لهذه المنطقة ليس بدافع الاستثمار فقط، ولكن رغبة حقيقية في إعادة رونقها ومكانتها الحضارية.

 

واقترح العبار، تأسيس صندوق استثماري مشترك يضم رجال أعمال مصريين وعرب لتطوير منطقة وسط البلد بعقلانية، مع الابتعاد عن السعي وراء أرباح سريعة أو مبالغ فيها، مشددًا على أن المنطقة تحتاج لعقليات حكيمة وليست بخيلة.