بعد أكثر من عقد من الانكماش الاقتصادي وارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل المواطن السوري، بدأت البلاد تشهد في الأشهر الأخيرة مؤشرات متباينة بين التحديات الاقتصادية القديمة وبوادر التحسن الجديدة.
فمنذ صدور المرسومين الرئاسيين في يونيو الماضي القاضيين برفع الرواتب والأجور للعاملين المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية، عاد ملف الدخل والمعيشة إلى واجهة النقاش العام في سورية، حيث يتساءل المواطنون: هل هذه الزيادات كافية فعلاً لمواجهة التضخم المتصاعد؟ أم أنها مجرد خطوة أولى في مسار طويل نحو التعافي الشامل؟
زيادة الرواتب.. خطوة جريئة وسط التحديات
بحسب المرسومين الرئاسيين، تضاعفت رواتب الموظفين في قطاعات واسعة من الدولة بنسبة تجاوزت 200%، في خطوة وصفها الخبراء بأنها "إيجابية لكنها تحتاج لاستكمال منظومة إصلاح الأجور".
وأكد الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن عدم لجوء الحكومة إلى التمويل بالعجز يعكس “تحسنًا في الانضباط المالي”، موضحًا أن الزيادة الأخيرة تُعد "محاولة جادة لإعادة التوازن بين الدخل وتكاليف المعيشة".
وأشار إلى أن رفع الأجور في قطاعات التعليم والصحة والقضاء قد ينعكس إيجاباً على جودة الخدمات العامة، لكنه شدد على ضرورة “توسيع نطاق الزيادة تدريجياً إلى بقية القطاعات، وتحديث جداول الأجور بشكل دوري لمواكبة تغيرات الأسعار وسعر الصرف”.
الفجوة بين الأجور وكلفة المعيشة
ورغم تلك الزيادات، ما تزال كلفة المعيشة في سورية مرتفعة. فوفق تقديرات جمعية حماية المستهلك، تحتاج الأسرة السورية المكوّنة من خمسة أفراد إلى نحو 7.1 ملايين ليرة سورية شهرياً (حوالي 645 دولاراً) لتغطية الاحتياجات الأساسية، بينما لا يغطي الحد الأدنى للأجور الجديد سوى 10% من تلك الكلفة.
وقال عبد الرزاق حبزة، أمين سر الجمعية، إن "أرباح التجار المبالغ فيها وضعف الرقابة على الأسواق" تسببت في تضخم إضافي زاد العبء على المواطنين، مشيرًا إلى أن بعض السلع تباع بهوامش ربح تصل إلى 200%.
التحسن الملموس في الأسواق.. إشارات أولى لانتعاش تدريجي
ورغم الصورة القاتمة التي ترسمها بعض التقارير الاقتصادية، برزت خلال الأسابيع الأخيرة مؤشرات ميدانية على تحسّن نسبي في الأسواق السورية.
فقد لوحظ انخفاض في أسعار بعض السلع الأساسية، مثل السكر، والزيت، والدجاج، بالتزامن مع تحسن في سعر صرف الليرة واستقرار نسبي في سوق المواد الغذائية، وهو ما عزز حالة التفاؤل الشعبي التي انعكست في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، نشرت صفحة "الرادع المغربي" عبر منصة إكس (تويتر سابقًا) تغريدة لاقت تفاعلاً واسعًا، قالت فيها:
"في وقت قصير فقط، بدأت الحياة اليومية في سوريا تتغير نحو الأفضل:
متوسط الرواتب تضاعف ثلاث مرات، من 500,000 إلى 1.5 مليون ليرة سورية، ومن المتوقع أن يصل إلى 3 ملايين قريباً.
السيارات التي كانت تكلف 20,000 دولار يمكن العثور عليها الآن بأسعار منخفضة تصل إلى 5,000-6,000 دولار.
الدجاج انخفض من 150,000 إلى 65,000 ليرة.
السكر انخفض من 15,000 إلى 8,000 ليرة.
لتر زيت الطبخ انخفض من 28,000 إلى 18,000 ليرة.
هذه ليست مجرد أرقام، بل تعكس تعافياً حقيقياً للعائلات السورية في جميع أنحاء البلاد.
كل هذا، أولاً بفضل الله، ثم بفضل قيادة الرئيس أحمد الشرع.
الأفضل قادم إن شاء الله!".
في وقت قصير فقط، بدأت الحياة اليومية في سوريا تتغير نحو الأفضل:
متوسط الرواتب 💰 تضاعف ثلاث مرات، من 500,000 إلى 1.5 مليون ليرة سورية، ومن المتوقع أن يصل إلى 3 ملايين قريباً.
السيارات 🚗 التي كانت تكلف 20,000 دولار يمكن العثور عليها الآن بأسعار منخفضة تصل إلى 5,000-6,000 دولار.… pic.twitter.com/yhmnqCGE7Z
— الرادع المغربي 🇲🇦🔻🇵🇸 (@Rd_fas1) October 29, 2025
التغريدة — التي نُشرت عبر حساب الرادع المغربي حصدت تفاعلات كبيرة من المتابعين العرب الذين أشادوا بالتحسن المعيشي السريع في سورية، معتبرين أن البلاد "بدأت تخرج تدريجياً من عنق الزجاجة بعد سنوات طويلة من الضغوط الاقتصادية".
سياق تاريخي
انهيار الليرة وتآكل الأجور منذ عام 2011، في عهد الرئيس السابق الهارب بشار الأسد، فقدت الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها، وتراجعت القوة الشرائية للمواطن بصورة حادة. فقد كان الحد الأدنى للأجور قبل الحرب يعادل 270 دولاراً شهرياً، بينما انخفض إلى أقل من 20 دولاراً قبل الزيادات الأخيرة.
وفي المقابل، تضاعفت أسعار السلع الأساسية أكثر من 300 مرة خلال الفترة نفسها، وهو ما جعل أي زيادة في الرواتب، مهما بلغت، غير كافية لتغطية كامل احتياجات الأسرة السورية.

