في مشهد سياسي دولي معقد، تورطت إسرائيل ولوبيها الصهيوني في الولايات المتحدة في حملة مكثفة لإفشال المرشح المسلم زهران ممداني، الذي ينافس على منصب عمدة نيويورك، أهم مدن أمريكا من الناحية السياسية والاقتصادية.
تأتي هذه الحملة وسط حالة استثنائية من الغضب الشعبي تجاه إسرائيل بعد "طوفان الأقصى"، العملية الفلسطينية التي أحدثت تحولاً عميقاً في الانطباعات حول إسرائيل، وولدت جيلاً من الشباب الأمريكي والعالمي يزداد كرهه لها بسبب الممارسات العسكرية والسياسية التي رافقت الأحداث.
صراع النفوذ السياسي وترسيخ الهيمنة
تقدم زهران ممداني كأول مسلم مرشح جدّي لمنصب عمدة نيويورك أثار موجة قلق في دوائر النفوذ الصهيونية التي تعتبر المدينة محوراً رئيسياً لقوة اللوبي اليهودي في أمريكا.
تزامن ذلك مع حالة غضب شعبي عارم تجاه إسرائيل لطبيعة هجومها على قطاع غزة، خاصة عملية "طوفان الأقصى" التي قلبت موازنات السلطة وأحيت الحماس وقوى المقاومة، مما دفع إسرائيل واللوبي المرتبط بها إلى استخدام جميع الوسائل السياسية والاقتصادية لإجهاض فرص نجاح ممداني أو أي مرشح يعادي سياسات تل أبيب.
المحلل السياسي الأمريكي جون ريتشاردز قال "اللوبي الصهيوني يرى في صعود ممداني تهديداً مباشراً لسياساته القديمة التي بنيت على السيطرة والهيمنة. التوتر الحالي بعد طوفان الأقصى جعل هذا التهديد أكبر مما كان عليه سابقا."
اللوبي الصهيوني ووسائل الضغط في أمريكا
اللوبي الصهيوني في أمريكا، الذي يتمركز في أهم منظماته في “إيباك” والجمعيات اليهودية الكبرى، يمتلك القدرة على ضخ ملايين الدولارات في الحملات الانتخابية، ويمارس ضغوطاً سياسية مكثفة عبر تقنيات "الثواب والعقاب" للنواب والمرشحين.
المثير أن اللوبي بدأ مبكراً التحريض على ممداني مستغلاً علاقته الواضحة بالقضية الفلسطينية وبرنامجه الاجتماعي الاقتصادي التقدمي الذي يهدد مصالح طبقة الأثرياء في المدينة.
ومن بين هذه السياسات، بحسب تقارير عدة، استخدام الإعلام والمال لتشويه سمعة ممداني عبر اتهامه بمواقف "معادية للسامية" وتهديد الاستقرار الاقتصادي لمدينة نيويورك، حيث دعم القطب الصهيوني مرشحاً منافساً بتمويل تجاوز 35 مليون دولار مقابل 9 ملايين فقط لممداني، ما يوضح مدى الهجوم الشرس ضد هذا المرشح.
الناشط الفلسطيني معروف العطواني قال: "هذه الحملات ليست فقط عن السياسة الأمريكية، بل عن حماية مصالح إسرائيل عبر أي ثمن، وما يحدث ضد ممداني هو إعادة نسخ لأساليب القمع السياسية التي نراها في فلسطين نفسها."
"طوفان الأقصى" وتأثيره على الجيل الصاعد
في أكتوبر 2023، شهد العالم حدثاً غير مسبوق مع عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتي أدت إلى تغييرات جذرية في المزاج السياسي داخل المجتمعات العربية والغربية على حد سواء.
هذه العملية أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بقوة، وأشعلت موجة من التضامن الشعبي، خصوصاً بين جيل الشباب الذي بدأ يتخذ مواقف أكثر حدة ضد إسرائيل.
ويعكس ظهور زهران ممداني كرمز لهذا الجيل السياسي المغاير، الذي يحمل في طياته رفضاً لسياسات الاحتلال والدعم الغربي لها، صورة واضحة عن رد فعل شعبي متصاعد داخل أمريكا ذاتها يؤثر مباشرة على الانتخابات والسياسات المؤيدة لإسرائيل.
الخبيرة السياسية الأمريكية ليزلي جونز أشارت: "الجيل الجديد الذي يتبنى مواقف مثل ممداني يعيد صياغة القصة السياسية بأكملها ويُظهر أن الحضور الإسرائيلي المهيمن يواجه تحدياً لم يألفه من قبل."
أدوات إسرائيل واللوبي: المال، الإعلام، والضغط السياسي
تكشف تحليلات أن إسرائيل لا تعتمد فقط على دعم الحملات الانتخابية وممارسة الضغط المباشر على السياسيين، بل تستخدم الإعلام الرقمي والاجتماعي لتوجيه الرأي العام ضد المرشحين المؤيدين للقضية الفلسطينية.
ويعمل اللوبي على خلق حالة من الخوف لدى بعض الناخبين على مصالحهم المالية وتأمين استقرار المدينة الاقتصادي، معتمدين على خطاب "الاقتصاد أولاً" لتبرير هدير حملتهم المضادة.
تبرز أيضاً محاولة تقديم المرشح المسلم في قالب مشكوك في ولائه للوطن، ومحاولة دفعه إلى هامش السياسة عبر اتهامات بالارهاب والتطرف، ما يعكس استراتيجية ممنهجة لإقصاء أي صوت يخالف المخططات الإسرائيلية الأمريكية.
الناشط الأمريكي والحقوقي سامويل كلاين علّق قائلاً: "هذه الحملات تعيد التذكير بأن الديمقراطية في أمريكا تواجه اختبارات صارمة حين يتعلق الأمر بالوضع العربي والفلسطيني، والصراع مستمر داخل أروقة السياسة والشارع."
بين المصالح والرفض الشعبي
تجسد قضية محاولة إجهاض صعود زهران ممداني مثالاً صارخاً على تفاقم نفوذ اللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي، وصراعات القوى السياسية حول قضايا الشرق الأوسط.
Israel’s explicit involvement في هذه الحملة تظهر كيف تُوظَّف السياسة الأمريكية لخدمة المصالح الإسرائيلية، بأدوات تشمل المال والإعلام والضغط السياسي.
في الوقت ذاته، تؤكد هذه الأحداث أن نتائج "طوفان الأقصى" لم تقتصر على جسور النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل امتدت لتشكيل جيل سياسي أميركي جديد، يعيد صياغة مواقف المدينة تجاه إسرائيل ويضع حداً للسياسات القديمة.
السؤال الأهم يبقى: هل ستنجح هذه الحملة الصهيونية في إيقاف المد الشعبي السياسي الجديد، أم أن قوة هذا الجيل لن تسمح بإخفاء صوته وإرادة التغيير؟

