في وقت تشهد فيه السودان أزمة غير مسبوقة نتيجة لتصاعد النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حميدتي، تواصل بعض وسائل الإعلام المصرية، مثل تلك التي يديرها عمرو أديب وأحمد موسى، تقديم رواية تركز على اتهام الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن ما يحدث في السودان. في الوقت الذي تتجاهل فيه هذه البرامج الدور الرئيس الذي تلعبه الإمارات العربية المتحدة في تأجيج الصراع، والسعي وراء تنفيذ أجندات تقسيمية قد تشعل المنطقة بأسرها، أبرزها خطة تفتيت السودان وإقامة دولة انفصالية في دارفور.

تلك الرواية، التي يتم ترويجها في وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري، لا تتماشى مع الحقائق التي يشهد بها العالم، والتي تشير إلى أن الإمارات هي اللاعب الرئيسي في الأزمة السودانية، بينما يتم إخفاء هذه الحقيقة خلف الهجوم المستمر على الإخوان المسلمين.

 

الإعلام المصري وترويج رواية الإخوان

في محاولة لدرء الأنظار عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء تفاقم الأوضاع في السودان، يواصل الإعلام المصري، ممثلًا في بعض الأسماء البارزة مثل عمرو أديب وأحمد موسى، الترويج لرواية الإخوان المسلمين كالعامل الأساسي في تفجير الأزمة. على مدار الأشهر الماضية، ردد الإعلاميون الموالون للحكومة المصرية هذه الرواية، متجاهلين الأدلة والشهادات التي تدين التدخل الإماراتي في الشؤون السودانية.

الرواية التي يتم تكرارها من خلال البرامج التلفزيونية والنشرات الإخبارية، تركز على أن الجماعة الإرهابية (كما يصنفها النظام المصري) هي التي تقف خلف تأجيج النزاع في السودان، وأنهم يتعاونون مع "الجنجويد" و"قوات الدعم السريع" لتنفيذ خططهم. ورغم أن هذه الرواية تلقى قبولًا في بعض الأوساط الداخلية في مصر، إلا أنها تتجاهل الدور الأساسي للإمارات في دعم قوات حميدتي، الذي يحظى بعلاقات وثيقة مع محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات.

 

دور الإمارات في الأزمة السودانية

الدور الإماراتي في السودان لا يمكن تجاهله، خاصة في ما يتعلق بدعم مليشيات الجنجويد وقوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حميدتي. منذ بداية الأزمة السودانية، كانت الإمارات من أولى الدول التي قدمت دعمًا سياسيًا وماليًا لهذه القوات، بغرض تقوية نفوذها في السودان. هذا الدعم الإماراتي يتزامن مع استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقسيم السودان وتوسيع النفوذ الإماراتي في منطقة البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي.

إضافة إلى ذلك، تروج الإمارات لفكرة تقسيم السودان إلى مناطق مستقلة، ويُعتقد أن الهدف النهائي هو إنشاء دولة انفصالية في دارفور، مما يؤدي إلى تفتيت السودان إلى كيانات أصغر وأكثر ضعفًا. من شأن هذا السيناريو أن يمنح الإمارات سيطرة أكبر على المنطقة، في وقت تتزايد فيه منافستها مع القوى الإقليمية الكبرى مثل مصر وتركيا.

وتشير التقارير الدولية إلى أن الإمارات كانت متورطة في تمويل قوات الدعم السريع وتقديم الدعم اللوجستي لها، وذلك في إطار استراتيجية تتضمن استغلال الصراعات الداخلية في البلدان العربية لتعزيز نفوذها في المنطقة. وقد قامت الإمارات أيضًا بتمويل مشاريع اقتصادية وأمنية في مناطق معينة من السودان، بما في ذلك في دارفور، وهو ما يوضح أن لها مصالح استراتيجية في المنطقة.

 

محمد بن زايد: "شيطان العرب" وأهدافه في السودان

محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، ورغم محاولاته المستمرة لتجميل صورته في الإعلام العربي والدولي، فإنه متهم بتورط كبير في إشعال الفتن في عدة دول عربية. يُلقب "شيطان العرب" من قبل معارضيه بسبب مواقفه المثيرة للجدل في تدعيم الأنظمة الاستبدادية، ودعمه للانقلابات العسكرية في المنطقة، وأبرزها في مصر وليبيا واليمن.

في السودان، يبدو أن الإمارات تسعى لتحقيق أهداف طويلة المدى من خلال دعمها المستمر لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

هذه القوات تمثل ذراعًا عسكرية لقوة متزايدة في السودان تسعى للهيمنة على السلطة في الخرطوم، بما يتماشى مع مصالح الإمارات في المنطقة. هذا الدور الإماراتي المثير للجدل يتناقض تمامًا مع ما يروج له الإعلام المصري من أن الإخوان المسلمين هم من يقفون وراء الأزمة.

 

التكتيك الإعلامي: تحويل الأنظار عن الحقيقة

الهدف الرئيس من هذه الحملة الإعلامية المصرية هو تحويل الأنظار عن التدخلات الإماراتية المدمرة في السودان، من خلال التركيز على الإخوان المسلمين كعامل رئيسي في الأزمة. ولكن في الوقت الذي يتم فيه تكرار هذه الرواية، تغيب أي إشارات حقيقية لتورط الإمارات في الدعم المباشر للجنجويد وميليشيات حميدتي. وبالتالي، يساهم الإعلام المصري في تزييف الحقائق، ويعطي شرعية لتدخلات محمد بن زايد، بينما يغذي الفوضى الإقليمية.

الخلاصة:

إن الموقف المصري والإعلام المصري، بقيادة بعض الوجوه الإعلامية مثل عمرو أديب وأحمد موسى، يعكس توجهًا مستمرًا لتجاهل الحقائق الأساسية وتوجيه اللوم إلى جماعة الإخوان المسلمين في ظل أزمة السودان. هذا السلوك يتناقض مع الأدلة والشهادات الدولية التي تثبت أن الإمارات هي اللاعب الأبرز في تأجيج هذه الأزمة ودعم القوات التي تهدد وحدة السودان. في هذه الفترة الحرجة، يجب على الإعلام المصري أن يتحلى بالمسؤولية ويكشف الحقائق بدلاً من ترويج السرديات المضللة التي تخدم مصالح جهات بعينها، مثل الإمارات، التي تسعى لتحقيق أجندات تفتيتية في المنطقة.