أعلنت السلطات البلجيكية، الأسبوع الماضي، عن اعتقال الناشط المصري أنس حبيب وشقيقه طارق حبيب في العاصمة بروكسل، بالتزامن مع زيارة عبد الفتاح السيسي لحضور القمة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومصر.
الاعتقال، الذي جرى وسط ظروف غامضة وبتنسيق أمني دولي محتمل، فُسّر على أنه امتداد لتعاون أوروبي مع السيسي في ملاحقة المعارضين بالخارج، تحت ذريعة "تهديد الأمن الشخصي لرئيس دولة صديقة".
كواليس الاعتقال.. "تحقيقات سرية داخل الفندق"
وفقًا لما كشفه موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فإن الشرطة البلجيكية داهمت الفندق الذي يقيم فيه الشقيقان في بروكسل، وصادرت هواتفهما المحمولة، واحتجزتهما داخل غرفتهما لساعات قبل نقلهما إلى جهة تحقيق سرية.
ونقلت مصادر قريبة من التحقيق أن السلطات البلجيكية تعمل على تقييم ما وصفته بـ"التهديدات المحتملة" ضد عبدالفتاح السيسي، في وقت تحدثت فيه تسريبات عن تواصل أمني بين القاهرة وبروكسل قبل تنفيذ الاعتقال بأيام.
وأضافت المصادر أن البلجيكيين تعاملوا مع القضية باعتبارها "حساسة أمنيًا"، نظرًا لتزامنها مع وجود وفد مصري رفيع المستوى في العاصمة، مشيرة إلى أن بعض عناصر جهاز الأمن الأوروبي تلقوا توجيهات واضحة بضرورة التعامل مع أي تحرك احتجاجي مرتبط بالسيسي بـ"أعلى درجات الحذر".
خلفية الناشط.. من الاعتقال في مصر إلى الملاحقة في أوروبا
أنس حبيب، الذي لا يتجاوز الثلاثين من عمره، يعد من أبرز الوجوه الشابة المعارضة للنظام المصري في الخارج. وقد سبق أن اعتُقل داخل مصر وهو في الخامسة عشرة من عمره، بتهمة المشاركة في تظاهرات سياسية، وظل قيد الاحتجاز لعامين كاملين قبل الإفراج عنه.
وبعد خروجه من مصر، واصل نشاطه الحقوقي والإعلامي، وأطلق سلسلة من الحملات المناهضة للسياسات المصرية، أبرزها حملة "أغلقوا السفارات المصرية" التي دعا فيها إلى إغلاق بعثات القاهرة الدبلوماسية في أوروبا، احتجاجًا على ما وصفه بـ"تواطؤ النظام في حصار غزة والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين".
ولم يقتصر نشاطه على مصر، إذ نظّم أيضًا احتجاجات أمام السفارة الأردنية في لاهاي، منتقدًا موقف عمّان من الحرب على غزة. وفي مقابلة سابقة مع موقع ميدل إيست آي، قال حبيب: "أعلم يقينًا أن النظام المصري متواطئ في الإبادة الجماعية… هذا ليس اتهامًا فحسب، بل حقيقة واقعة".
الفيديو الذي أشعل الأزمة
الجدل الأخير تصاعد بعدما بثّ أنس حبيب بثًا مباشرًا من فندق مقابل لمقر إقامة السيسي في بروكسل، ظهر فيه وسط حشود من مؤيدي عبدالفتاح السيسي الذين جاؤوا لتحيته.
وفي الفيديو الذي انتشر سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال حبيب إنه "يقيم في الفندق ذاته الذي يسكن فيه أنصار السيسي"، مضيفًا بسخرية أنه "على حساب الدولة المصرية"، في إشارة إلى الحشد المنظم الذي ترافق عادة زيارات الرئيس للخارج.
ورجّحت بعض المصادر أن هذا الفيديو كان السبب المباشر وراء الاعتقال، بعدما اعتُبر من قبل الأجهزة الأمنية "دليل مراقبة أو محاولة اقتراب من مقر إقامة رئيس دولة أجنبية"، رغم نفي المقربين من حبيب وجود أي نية عدائية.
https://www.facebook.com/watch/live/?ref=watch_permalink&v=25157997690507834
تضارب الروايات وتنسيق أمني مثير للريبة
تباينت الروايات حول كيفية وظروف الاعتقال.
فبينما أكدت السلطات البلجيكية أن التوقيف تم وفق "إجراءات احترازية مؤقتة" لحماية الوفود المشاركة في القمة الأوروبية–المصرية، اعتبرت منظمات حقوقية أن ما جرى هو عملية سياسية بامتياز، تمت بتنسيق مباشر مع الأجهزة المصرية.
ونقلت الناشطة البريطانية سارة ويلكنسون، عبر منصة "إكس"، أن أنس وطارق "احتُجزا في مكان غير معلوم أثناء زيارة السيسي"، معتبرة أن الحادثة تكشف عن "مدى حساسية التحركات المعارضة للسيسي حتى في العواصم الأوروبية".
https://x.com/swilkinsonbc/status/1982132883046195519
قمة بروكسل.. خلفية التوقيت الحرج
تزامن الاعتقال مع انعقاد أول قمة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، حيث وُقّعت خلالها عدة اتفاقيات اقتصادية، من بينها قرض بقيمة 4 مليارات يورو (نحو 4.6 مليارات دولار) كمساعدات أوروبية لدعم الاقتصاد المصري المتعثر.
ويرى مراقبون أن أوروبا تسعى لتعزيز شراكتها مع القاهرة في ملفات الهجرة والطاقة ومكافحة الإرهاب، وهو ما يجعلها أكثر ميلاً إلى تجاهل الانتهاكات الحقوقية أو ملاحقة المعارضين.
ردود فعل غاضبة ودعوات للتحقيق
أثارت الواقعة موجة واسعة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم ناشطون الحكومات الأوروبية بالتواطؤ مع الأنظمة الاستبدادية مقابل مصالح اقتصادية وسياسية.
وطالبت منظمات حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش"، بفتح تحقيق شفاف حول ملابسات احتجاز أنس وطارق حبيب، وضمان عدم تسليمهما أو ترحيلهما لأي جهة قد تعرّض حياتهما للخطر.

