كشفت مؤسسة “جوار” الحقوقية عن واحدة من أوسع حملات الاعتقال التي تستهدف النساء منذ سنوات، حيث أكّد المدير التنفيذي للمؤسسة عبد الرحمن البدراوي أن الأجهزة الأمنية تشن حملة موسعة منذ نحو أسبوعين، طالت حتى الآن ما لا يقل عن 70 فتاة وسيدة من مختلف المحافظات، تم اعتقالهن من منازلهن وإخفاؤهن قسريًا في أماكن غير معلومة.
وقال البدراوي، في تصريحات صحفية، إن المؤسسة تلقت خلال الأيام الماضية شكاوى عديدة من أسر معتقلات انقطعت أخبار بناتهن فجأة بعد مداهمات ليلية نفذتها قوات الأمن في عدد من المحافظات، أبرزها الشرقية والإسكندرية، مشيرًا إلى أن "الاعتقالات تتجدد بشكل يومي، وكل ليلة هناك أسماء جديدة تُضاف إلى قائمة المختفيات قسريًا".
وأوضح البدراوي أن بعض الفتيات ظهرن بعد فترة من الاختفاء وعُرضن على نيابة أمن الدولة العليا التي وجّهت إليهن اتهامات فضفاضة، بينما لا تزال الأغلبية – وعددهن يتجاوز السبعين – رهن الإخفاء التام دون تمكين ذويهن أو محاميهن من التواصل معهن.
وأضاف أن المؤسسة لا تملك بعدُ قوائم كاملة بالأسماء بسبب السرية التي تحيط بهذه الحملة، لكنه أكد أن "الاعتقالات تجري بتنسيق مركزي من القاهرة، بينما يتم تنفيذها على الأرض بقوات من المحافظات المستهدفة".
وأشار إلى أن التحقيقات الأولية مع من تم عرضهن على النيابة ركّزت على علاقتهن بالمعارضين المصريين في الخارج أو تضامنهن مع أسر المعتقلين السياسيين داخل مصر، في ما اعتبره "محاولة لتوسيع دائرة الترهيب لتشمل النساء والفتيات اللواتي يقمن بأي نوع من النشاط أو التعبير عن التضامن".
ولفت البدراوي إلى أن مؤسسة “جوار” وجهت تحذيرات خاصة إلى نساء وأهالي المعتقلين السياسيين بضرورة توخي الحذر في هذه المرحلة، موضحًا أن الحملة الأخيرة "تدل على توتر أمني واضح وسعي لإسكات أي صوت نسائي قد يساند قضية حقوق الإنسان أو يعبّر عن معاناة المعتقلين".
تصاعد القمع في مصر
تأتي هذه التطورات في سياق عام يشهد تصاعدًا في الانتهاكات ضد النشطاء والمعارضين، لا سيما مع اقتراب مواعيد حساسة على الساحة السياسية والاقتصادية، وسط انتقادات دولية متكررة لملف حقوق الإنسان.
ورغم نفي السلطات المستمر لوجود معتقلين سياسيين، تؤكد منظمات حقوقية محلية ودولية أن آلاف السجناء محتجزون لأسباب تتعلق بالرأي والتعبير، وأن الإخفاء القسري أصبح أحد أبرز أدوات القمع خلال السنوات الأخيرة.
قضية تقادم الخطيب.. مؤشر آخر على “تكميم الأفواه”
وفي سياق متصل، كشف المحامي الحقوقي خالد علي الأسبوع الماضي عن إحالة الباحث والأكاديمي الدكتور تقادم الخطيب إلى المحاكمة الجنائية بقرار من نيابة أمن الدولة العليا، بتهم تتعلق بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية والمشاركة في اتفاق جنائي".
ورغم أن الخطيب يعيش خارج مصر منذ عام 2013، إلا أنه تعرض – بحسب علي – لإجراءات تعسفية متواصلة منذ عام 2017"، عقب مشاركته في جمع وثائق قضية تيران وصنافير التي أثارت جدلاً واسعًا حول السيادة المصرية على الجزيرتين.
وأوضح خالد علي أن تلك الإجراءات شملت إنهاء منحة الخطيب الدراسية لنيل الدكتوراة، وقرار وزارة التعليم العالي بإلزامه بالعودة إلى مصر، قبل أن يتم فصله من الجامعة واستصدار حكم ضده برد قيمة المنحة التي حصل عليها، وهو ما وصفه المحامي بأنه "نموذج واضح للانتقام السياسي من الأكاديميين المعارضين".
مخاوف حقوقية وتحذيرات من تصعيد جديد
من جانبها، أعربت منظمات حقوقية عن قلق بالغ إزاء اتساع رقعة الاعتقالات لتشمل النساء والفتيات، معتبرة أن ما يحدث يمثل "تصعيدًا خطيرًا" في نهج القمع الممنهج الذي تنتهجه السلطات بحق الأصوات المعارضة.
وطالبت هذه المنظمات بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلات والمعتقلين على خلفيات سياسية، والكشف عن أماكن احتجازهم، واحترام الدستور الذي يجرّم الإخفاء القسري ويكفل حق المواطنين في التعبير عن آرائهم دون خوف أو تهديد.
وختم البدراوي تصريحه بالقول: "ما نشهده اليوم هو مرحلة جديدة من القمع، تستهدف النساء والفتيات في محاولة لإخماد أي حراك اجتماعي أو تضامن إنساني. لكن التاريخ أثبت أن القهر لا يولّد إلا الإصرار على المطالبة بالحرية والعدالة".

