قال تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، إن الخطة التي عرضها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في فبراير الماضي، آخذة في التطور لتصبح الغلاف الفعلي الذي بحسبه سيتم تشكيل أجهزة إدارة لقطاع غزة.

 

وأوضح أن الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها فتح وحماس، اتفقت يوم الخميس الماضي، بعد نقاشات جرت تحت رعاية وإدارة رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، على نقل إدارة قطاع غزة الى لجنة تكنوقراط، التي سيتم تشكيلها "من أبناء قطاع غزة".

 

وأشار إلى أن هذا الاتفاق يعني أنه على الأقل في كل ما يتعلق بمكوناتها المدنية فإن خطة ترامب تحظى بشرعية فلسطينية جارفة، مؤسسية وتنظيمية، "هذا من شأنه في المستقبل أن يعطي شرعية مشابهة أيضًا للخطوات العسكرية، التي تتضمن وضع قوة متعددة الجنسيات بعد أن اشترطت الدول العربية مشاركتها فيها بـ "استدعاء"، أو تحديد مصدر صلاحية فلسطيني لنشاطاتها في القطاع".

 

وقال برئيل، إن هذا استمرارية للتصريح الذي صدر قبل أسبوعين عن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، حول اتفاق بخصوص قائمة الـ 15 شخصًا الذين سيتواجدون في مجلس الإدارة المدنية بعد التشاور مع الفصائل الفلسطينية، ومن بينها حماس، ولكن في هذه المرة الحديث يدور عن بيان فلسطيني وليس مصريًا.

 

مجلس فلسطيني أعلى

 

ولفت إلى أنه في النقاشات في مصر شارك حسين الشيخ، نائب محمود عباس (أبو مازن)، وماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية كممثلين عن السلطة الفلسطينية، وليس كممثلين لفتح أو منظمة التحرير الفلسطينية. هكذا، برعاية مصر تشكل حماس والسلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى إطار سياسي مواز، نوع من "مجلس فلسطيني أعلى"، الذي من شأنه أن يملي طريقة وطابع نشاطات الأجهزة الإدارية على الأرض وتشكيلتها.

 

وأوضح المحلل بصحيفة "هآرتس"، أن "هذا الإطار يتجاوز بالفعل الشروط الأساسية في خطة ترامب، وموقف إسرائيل والدول العربية، التي بحسبها حماس لن تكون شريكة في الحكم وفي إدارة القطاع، وأن حماس التي عند نشر الخطة المصرية في بداية السنة أعلنت بأنها تتبناها وأنها مستعدة للابتعاد عن إدارة القطاع (مقابل عباس الذي رفضها خوفًا من أن تقلص صلاحيات السلطة وتؤدي إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية)، لن تكون في الواقع شريكة رسمية في "لجنة التكنوقراط"، لكنها الآن جزء من التشكيلة التي ستمنح هذه اللجنة الشرعية. هكذا، هي أيضًا ترسخ مكانة السلطة الفلسطينية كعامل حاكم في القطاع".

 

مصر مهدت الطريق لتدخلها المباشر في غزة

 

وشدد على أنه "يجب أيضًا الانتظار ورؤية كيف أن هذا الاتفاق الفلسطيني سيجد تعبيره على الأرض، خاصة عندما ستبدأ "لجنة التكنوقراط" وتأخذ بيدها الميزانيات، لكن بالنسبة لمصر فقد مهدت الطريق لتدخلها المباشر في القطاع. خلال سنين سعت مصر إلى تأسيس موافقة فلسطينية واسعة، بالأساس بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية في 2017 نجحت حتى في تأسيس حكومة اتفاق وطنية، لكن هذه الحكومة تحطمت خلال أقل من سنة. أيضًا الآن الحديث لا يدور عن مصالحة سياسية أو أيديولوجية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس.

 

وقال برئيل، إنه في المحادثات في مصر لم تتم مناقشة مسألة انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية أو إقامة إطار سياسي مشترك يكون بديلاً عن السلطة الفلسطينية. لكن "الاتفاق الفلسطيني" الآن هو لبنة أساسية في جهود مصر للحفاظ على مكانتها كـ "مسؤولة" عن الملف الفلسطيني في المنطقة كي تضمن لنفسها ان القوة متعددة الجنسيات التي ستأتي الى القطاع، اذا جاءت، لن تضر بمصالحها الأمنية – وعلى راسها منع هجرة مئات آلاف الغزيين الى مصر.

 

وأشار إلى أن "هذا التهديد من شأنه أن يتطور ليس فقط إذا قامت إسرائيل باستئناف الحرب، بل أيضًا إذا بدأت القوة متعددة الجنسيات بالاشتباك مع قوات حماس والتنظيمات الأخرى. الطريقة لضمان سيطرة مصر على الأرض هي بواسطة قيادة القوة متعددة الجنسيات، التي ما زالت تتلمس طريقها. حتى الآن من غير المعروف من هي الدول التي ستشارك في هذه القوة، وكم هو عدد الجنود الذين سترسلهم كل دولة وماذا ستكون مهمتهم ومن سيكون مصدر الصلاحيات لنشاطاتهم".

 

مشاركة مصر في القوة العسكرية بغزة

 

وتابع برئيل: "أيضًا مصر مترددة بشأن وحول كيفية المشاركة العسكرية في القطاع. إن إرسال قوات مصرية وقيادة مصرية إلى القوة متعددة الجنسيات – احتمالية تم التحدث عنها في عدد من وسائل الإعلام – يمكن أن يضع مصر في وضع ستعتبر فيه "قوة محتلة" أو على الأقل قوة تخدم مصالح إسرائيل والولايات المتحدة. بالأحرى، إذا اقتضت هذه القوة الاشتباك مع قوات فلسطينية مسلحة. المخرج المحتمل لهذه المعضلة يمكن أن يوفره قرار لمجلس الأمن، الذي سيحدد هدف هذه القوة".

 

وأردف: "في هذا الشأن يبدو أنه يوجد تنسيق بين مصر وبين الفصائل الفلسطينية. يجب الانتباه إلى صيغة بيان الرد لحركة فتح على هذا الاتفاق. لقد جاء فيه، ضمن أمور أخرى، "الأمن في القطاع هو من مسؤولية أجهزة الامن الفلسطينية الرسمية، وعلى كل قوة دولية، إذا وجدت مثل هذه القوة، أن تعمل على حدود القطاع وليس في داخله، وفي ظل تفويض واضح ومحدد من مجلس الأمن".

 

وأشار إلى أنه "بخصوص السلاح الفلسطيني فإن المعالجة الجذرية لهذه القضية يجب أن تكون في إطار رؤية وطنية ترسخ سلطة واحدة وسلاح واحد وقانون واحد".

 

وأكد المحلل بصحيفة "هآرتس"، أن "هذا الموقف يؤيد موقف مصر، التي تطمح إلى الحصول على رعاية من مجلس الأمن، لكن في نفس الوقت هو أيضًا يتساوق مع موقف حماس، التي أوضحت بأن نزع سلاحها سيتم فقط في إطار إقامة الدولة الفلسطينية. في كل الحالات لا يوجد في البيان أي تطرق لنزع فوري لسلاح حماس".

 

قوة حفظ سلام أم قوة تنفيذ سلام؟

 

ورأى برئيل أن السعي إلى الحصول على قرار من مجلس الامن غير خال من الألغام. هل ستكون هذه "قوة حفظ للسلام"، التي مهمتها فقط الإشراف ومراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار؟ أو "قوة تنفيذ سلام"، التي ستعمل حسب الفصل 7 في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمنح الصلاحيات لاستخدام الوسائل العسكرية من اجل تطبيق السلام؟ أو قوة عسكرية هدفها مساعدة قوات شرطية محلية على "استقرار" امن القطاع؟.

 

وبين أن "خطة ترامب التي كانت تطمح إلى تطبيق في البداية صفقة إعادة المخطوفين، اكتفت بصياغة غامضة وغير مفصلة بخصوص تحديد مهمات القوة. بهذا هي تجنبت تحديد من سيكون المسؤول عن نزع سلاح حماس، وهكذا أبقت هامشًا واسعا للتفسيرات".

 

ومضى برئيل، قائلاً: "الآن تقترب المرحلة التي فيها لن يكون هناك مناص من ترجمة تطبيق الخطة حتى مستوى صياغة تعليمات فتح النار، والخضوع القيادي، وتوزيع قطاعات العمل لكل قوة سياسية وطريقة تمويل هذه القوات".

 

وذكر أن "مصر كانت تتطلع حتى الآن إلى أن تعتبر فقط "قوة مساعدة"، ستعمل إلى جانب قوات الشرطة الفلسطينية التي تجتاز التدريب في مصر والأردن، وتنسيق نشاطات المساعدات الإنسانية وبعد ذلك تحصل على حصة مناسبة في مشروع إعادة إعمار القطاع".

 

لكنه أوضح أن مصر غيرت رأيها مؤخرًا، وأدركت أنها لن تكتفي بدور "تمثيلي" إذا أرادت ضمان حصتها ومكانتها في القطاع.

 

وخلص برئيل إلى أنه "في هذا السياق يبدو أنها تتفق مع إسرائيل بشان عدم مشاركة القوات التركية في القوة متعددة الجنسيات، خشية أن يجعل هذا التدخل تركيا هي "صاحب البيت" العسكري في القطاع، الأمر الذي سيؤدي إلى تنحية مصر".

 

https://www.haaretz.com/gaza/2025-10-26/ty-article/.premium/egypt-brokers-gaza-technocrats-deal-boosting-palestinian-consensus/0000019a-1ce5-d2fc-a79a-9ef72e6e0000