شهدت مدينة شرم الشيخ في أكتوبر توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، برعاية عدد من القوى الإقليمية والدولية، من بينها تركيا التي طُرح اسمها كدولة ضامنة لهذا الاتفاق. هذا التصعيد العسكري الذي دام لأكثر من عامين في قطاع غزة قد أفضى إلى الحاجة إلى تدخل دولي لضمان الاستقرار في المنطقة بعد الحرب، وهو ما دفع تركيا إلى إعلان استعدادها للمشاركة في قوة مراقبة أو استقرار في غزة.

 

ومع ذلك، فإن الموقف التركي، الذي يتمسك بدوره في إعادة غزة إلى الحكم الفلسطيني الكامل، لم يلقَ قبولًا لدى "إسرائيل"، حيث يعتبره الجانب الإسرائيلي تهديدًا لمصالحه الاستراتيجية. إسرائيل ترى أن تركيا، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وعضويتها في حلف الناتو، تمثل خطرًا على هيمنتها في المنطقة. وتعتقد تل أبيب أن الدور التركي في غزة قد يوازي نفوذ إيران، وهو ما يُعتبر "الخط الأحمر" بالنسبة لإسرائيل.

 

في هذا السياق، ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رفضه لأي دور تركي في القطاع في إطار الخطة الأميركية لمراقبة وقف إطلاق النار. وأكد أن لديه "آراء قاطعة" بشأن هذا المقترح، لكن دون أن يكشف عنها بشكل رسمي. هذه التصريحات تكشف عن استمرار التوتر بين تل أبيب وأنقرة حول مشاركة تركيا في القوة الدولية المزمع نشرها في غزة.

 

موقف تركيا: إصرار على الدور السياسي والأمني

 

يشير المختصون في الشأنين الإسرائيلي والتركي إلى أن الرفض الإسرائيلي لمشاركة تركيا يعكس مخاوف استراتيجية عميقة، وأن الدور التركي في غزة سيظل محور جدل كبير. الكاتب الصحفي حمزة تكين أكد في تصريحات خاصة لوكالة "سند للأنباء" أن رفض إسرائيل دخول القوات التركية إلى قطاع غزة يشكل انتهاكًا مباشرًا للاتفاق الذي تم توقيعه في شرم الشيخ، وأن تركيا لن تقبل بتجاوز هذا الدور. كما حذر من أن هذا الرفض قد يؤدي إلى أزمة جديدة تتعلق بتنفيذ الاتفاق، محملًا الولايات المتحدة مسؤولية الضغط على إسرائيل لضمان الالتزام الكامل ببنوده.

 

وأضاف تكين أن الخلافات بين أنقرة وتل أبيب تمتد إلى تضارب استراتيجي في الرؤية والمشاريع الإقليمية، وأن تركيا ترى أن غزة يجب أن تبقى تحت حكم فلسطيني كامل، بينما تسعى إسرائيل إلى تكريس واقع جديد يخدم هيمنتها. من جانبه، أشار المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة إلى أن إسرائيل تعتبر تركيا دولة عدائية تعمل على تشكيل محور مقاومة سني يوازي المحور الشيعي الذي تقوده إيران، مما يضيف تعقيدًا للموقف السياسي بين الجانبين.

 

دور تركيا في القوة الدولية: توازنات ومخاوف

 

مقترح قوة الاستقرار الدولية في غزة هو جزء من خطة السلام التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر 2025، والتي تهدف إلى إنهاء الصراع في غزة. تشمل هذه القوة دولًا عربية ودولية مثل مصر وقطر وتركيا، وتهدف إلى ضمان الأمن، تدريب الشرطة الفلسطينية، والإشراف على نزع سلاح حركة حماس وإعادة إعمار القطاع. وقد لعبت تركيا دورًا محوريًا في التوسط بين حركة حماس و"إسرائيل"، وهو ما جعلها شريكًا أساسيًا في تنفيذ الاتفاق.

 

مع ذلك، تواجه تركيا تحديات كبيرة في هذا السياق، حيث أبدت إسرائيل اعتراضها الشديد على وجود أي قوات تركية في غزة، معتبرة ذلك "خطًا أحمر". في المقابل، أكدت الولايات المتحدة أن تركيا يمكن أن تلعب دورًا "بناءً" في المرحلة المقبلة من الاتفاق، وهو ما يضيف بعدًا جديدًا في التوازنات الإقليمية والدولية.

 

التحديات التي تواجه القوة الدولية

 

تواجه القوة الدولية المزمع نشرها في غزة عدة تحديات. أولًا، الاعتراضات الإسرائيلية على الدور التركي تظل القضية المركزية، حيث ترفض إسرائيل بشكل قاطع أي وجود عسكري تركي في غزة. ثانيًا، ترفض حركة حماس نزع سلاحها، معتبرة أن أسلحتها جزءًا من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يشكل عائقًا أمام تنفيذ أحد الأهداف الرئيسية للقوة الدولية. وأخيرًا، تواجه الدول المشاركة في القوة ضغوطًا سياسية من مختلف الأطراف، مما قد يؤثر على فعالية تنفيذ المهام الموكلة إليها.

 

ختاما إزاء هذه التوترات السياسية والاستراتيجية، يبدو أن الدور التركي في غزة سيبقى محل جدل طويل، حيث تواصل تركيا إصرارها على المشاركة في القوة الدولية لضمان أمن واستقرار القطاع وفقًا لالتزاماتها في الاتفاق. وفي الوقت نفسه، تتصاعد المخاوف الإسرائيلية من تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، ما يهدد مصالحها الأمنية والسياسية. وبينما تواصل القوى الدولية السعي لإيجاد تسوية سلمية، تبقى العلاقات التركية الإسرائيلية على المحك، وقد يكون للصراع المستمر على هذا الدور السياسي والأمني انعكاسات كبيرة على مستقبل الاستقرار في المنطقة.