تواصل حكومة مصطفى مدبولي في توسيع دائرة التفريط في ثروات البلاد، حيث تزداد الاستثمارات الأجنبية التي تغزو الأراضي والمشاريع الاستراتيجية في البلاد، في وقت يعاني فيه المواطنون من ضغوط اقتصادية متزايدة. أحدث هذه الصفقات هو استحواذ شركة الديار القطرية التابعة لجهاز قطر للاستثمار على أراضٍ في منطقة علم الروم بالساحل الشمالي، حيث من المتوقع أن تضخ الشركة نحو 1.5 مليار دولار الشهر المقبل للبدء في تنفيذ مشروع سياحي متكامل، بالتزامن مع صفقة أخرى لشراء 5 آلاف فدان بقيمة 4 مليارات دولار.

 

بيع الأراضي والمستقبل الاقتصادي

 

ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الاستثمارات الضخمة تأتي في وقت حساس، حيث تتوسع الحكومة المصرية في بيع الأراضي والتفريط في ممتلكات الدولة بشكل غير مسبوق. فمشروع "علم الروم" الذي يضم فنادق سياحية، قرى ترفيهية، مولات، ومناطق لليخوت، لم يعد مجرد استثمار سياحي، بل تحول إلى تسريع لفتح الأبواب أمام الشركات الأجنبية لفرض هيمنتها على أراضٍ كانت ملكاً للدولة، بينما تواصل الحكومة حجب المشاريع الحيوية عن المواطنين. وإذا كانت الحكومة تروج لهذا المشروع كفرصة لاستثمارات ضخمة، إلا أن الحقيقة هي أنها تستمر في بيع الأرض المصرية دون رؤية استراتيجية واضحة لمستقبل الأجيال القادمة.

 

إهدار الموارد لصالح الأجانب


لا يمكن تجاهل تلك التسهيلات التي تمنحها الحكومة للشركات الأجنبية في مقابل ضخ الأموال، حيث يحصل الأجانب على أراضٍ في مناطق استراتيجية مع حوافز ضخمة، مثل منطقة حرة تقدم خصومات ضريبية وحوافز للقطاعات الحيوية، بينما يغيب عن الساحة المحلية أي دعم مماثل للمستثمرين المصريين. والأسوأ من ذلك، أن الحكومة تتجاهل تداعيات هذا التفريط على الأمن القومي والاقتصادي، حيث تزداد ملكية الأراضي المصرية في أيدٍ أجنبية في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية غير مسبوقة.

 

تفريط في السيادة الوطنية

 

هذه الصفقات، التي تتم دون ضوابط واضحة، تثير التساؤلات حول السيادة الوطنية التي تتآكل تدريجيًا. في وقتٍ تحارب فيه الدولة من أجل مواجهة أزمة اقتصادية تتفاقم يومًا بعد يوم، نرى أن قرارات البيع والتنازل لا تقتصر على صفقات اقتصادية فحسب، بل تحمل بُعدًا سياسيًا يتمثل في تآكل الهوية الوطنية والسيطرة على الأراضي الحيوية التي قد تشكل يوماً ما جزءاً من أمن البلاد. يبدو أن الحكومة تسير في طريق يتم فيه التوسع في تفريط الموارد على حساب المصالح الوطنية، وسط غياب للشفافية حول تفاصيل تلك الصفقات وأثرها على الاقتصاد المصري.

 

الهيمنة الخليجية على السوق المصري

 

هذا التوسع في دخول الاستثمارات الخليجية على وجه الخصوص، يجعل السوق المصري أشبه بمستعمرة اقتصادية لمشاريع الشركات الخليجية. في البداية، كانت المشروعات الخليجية تأتي بتسهيلات وبحث عن شراكات استراتيجية، ولكن الآن، أصبحت تُمنح أراضٍ ومشروعات ضخمة بحوافز ومزايا قد تتسبب في خروج السيولة النقدية من السوق المصري دون عوائد حقيقية للمواطنين.

 

من أحدث هذه الصفقات، مشروع رأس الحكمة، الذي تم توقيعه مع شركة إماراتية بقيمة 35 مليار دولار، والذي يُعتبر من أضخم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تاريخ مصر. هذه المشاريع التي لا تبني اقتصاداً محلياً مستداماً ولا توفر فرص عمل حقيقية للمصريين، تثير الشكوك حول أولويات الحكومة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

 

البنية التحتية والتفريط في الإيرادات

 

أكثر ما يلفت النظر في هذه الصفقات هو البنية التحتية التي تجهزها الحكومة للمشروعات، حيث تتحمل الدولة تكلفة بناء شبكة الطرق والمرافق الأساسية، وهو ما يعني تحميل الموازنة العامة تكاليف ضخمة دون ضمانات حقيقية لعودة هذه الأموال على شكل إيرادات ضريبية مستدامة. فإذا كانت الحكومة قد قررت منح المستثمرين الأجانب هذه الأراضي بتسهيلات ضخمة، فإنه من المؤسف أن مصر لا تحصل على حصة عادلة من أرباح هذه المشروعات التي تعتمد على ما تقدمه من بنية تحتية أو خدمات.

 

الحاجة إلى تصحيح المسار

 

بلا شك، تواصل الحكومة في التفريط في الأراضي والمشاريع الحيوية بما يعكس غياباً كاملاً للرؤية المستقبلية في التعامل مع الثروات الوطنية. ويظل السؤال الأهم هو: هل حقاً تشكل هذه الصفقات "فرص استثمارية" أم أنها مجرد خطوة نحو استنزاف موارد الدولة لصالح شركات أجنبية؟ وبدلاً من منح الأراضي للغزاة الجدد، يجب على الحكومة العمل على حماية السيادة الاقتصادية ودعم الشركات المحلية في التوسع وتوفير بيئة تنافسية، حيث أن هذا النوع من التفريط في الأراضي قد يتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد مستقبل مصر الاقتصادي.