وسط جبل من الديون المستحقة وفوائد متراكمة ترهق الموازنة العامة، يواصل قائد الانقلاب السيسي السير في النهج نفسه: المزيد من القروض الخارجية لمشروعات كبرى تُسوّق باعتبارها "إنجازات قومية"، بينما يتحمل الشعب والأجيال القادمة فاتورة العجز والاقتراض.
فقد كشفت مصادر مطلعة داخل الهيئة القومية للأنفاق عن اتفاق مبدئي مع بنك التصدير والاستيراد الصيني "إكزيم" للحصول على قرض جديد بقيمة 250 مليون دولار، لتمويل جزء من المرحلة الرابعة من مشروع القطار الكهربائي الخفيف الممتد من محطة عدلي منصور شرق القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
يتضمن الاتفاق فائدة سنوية ثابتة بنسبة 2%، وفترة سداد تمتد 13 عامًا تبدأ بعد خمس سنوات سماح، بينما تمتد فترة الاستفادة من القرض لثلاث سنوات فقط.
ديون جديدة لمشروع قديم
المرحلة الرابعة، التي تُقدَّر تكلفتها بنحو 440 مليون دولار وتمتد لمسافة 16 كيلومترًا من مدينة العبور الجديدة إلى العاصمة الإدارية، ليست سوى حلقة في سلسلة قروض متراكمة للمشروع نفسه.
فقد موّل البنك الصيني المرحلتين الأولى والثانية بقرض بلغت قيمته 1.2 مليار دولار، ثم المرحلة الثالثة بقرض آخر قيمته 400 مليون دولار.
والآن يُضاف القرض الرابع، في ظل اقتصاد مثقل بديون تجاوزت 165 مليار دولار خارجية، وأكثر من 7 تريليونات جنيه محلية.
المفارقة أن هذه المشروعات تُنفَّذ لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة، التي يرى منتقدون أنها ليست أولوية في ظل الأزمات المعيشية الطاحنة.
فالتوسّع في الاقتراض لتمويل قطارات ومبانٍ فاخرة، بينما ملايين المصريين يعانون من الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، يكشف فجوة صارخة بين أولويات السلطة واحتياجات المواطنين.
مشروع على حساب المواطن
وفق مصادر داخل الهيئة القومية للأنفاق، فإن القرض سيُستخدم لتغطية تكلفة استيراد الأعمال الكهروميكانيكية وأنظمة الإشارات والتحكم، التي تنفذها شركات صينية، بينما تتحمل الدولة من مواردها المحلية تمويل الأعمال المدنية والإنشائية.
أي أن مصر تدفع من جيبها ومن القروض معًا، ليصب العائد في جيوب شركات أجنبية، دون رؤية واضحة للعائد الاقتصادي الفعلي على المواطن.
أما أسعار التذاكر، فتتراوح بين 10 و20 جنيهًا حسب عدد المحطات، مع طرح اشتراكات شهرية تبدأ من 300 جنيه.
وحتى بعد خفض الأسعار بنسبة تصل إلى 40% في سبتمبر 2022، تظل التذاكر مرتفعة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، خاصة في ظل موجات تضخم غير مسبوقة.
والنتيجة أن المشروع الذي يُسوّق كـ"نقلة حضارية" قد يصبح عبئًا جديدًا على ميزانيات الأسر.
توسع عشوائي في مشروعات الجر الكهربائي
أعلنت وزارة النقل في حكومة الانقلاب أنها خصصت أكثر من تريليون جنيه لمشروعات الجر الكهربائي خلال الفترة من 2014 حتى 2024، في وقت تشهد فيه الصناعة والزراعة والخدمات الأساسية تراجعًا مستمرًا.
هذا التوسع المبالغ فيه يُثير تساؤلات حول جدوى هذه المشاريع مقارنة بحجم المديونية والفوائد المترتبة عليها، ومدى توافقها مع أولويات التنمية الحقيقية التي يحتاجها المواطن البسيط.
تركة ديون للأجيال القادمة
يرى خبراء اقتصاد أن القروض الجديدة تضاف إلى كلفة الدين العام التي تُستهلك أكثر من نصف إيرادات الدولة في خدمة الدين فقط.
وفي ظل تراجع الجنيه وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فإن أي عائد اقتصادي محتمل لهذه المشاريع يذوب أمام الأعباء المالية الضخمة التي تتركها.
النتيجة: مصر تدخل في حلقة مفرغة من الاقتراض لسداد القروض السابقة، وهو ما يُعرف بـ"فخ الديون".
وبينما ترفع حكومة الانقلاب شعارات "التنمية" و"الإنجازات القومية"، يزداد المشهد وضوحًا: إنفاق مسرف على مشاريع رأسمالية تخدم العاصمة الإدارية والطبقة المقتدرة، مقابل ديون وفوائد تثقل كاهل الدولة لعقود مقبلة.
قائد الانقلاب السيسي لا يكترث بتحذيرات الاقتصاديين ولا بمعاناة ملايين المواطنين، بل يمضي في سياسات توسعية تقوم على الاقتراض بلا سقف.
في المحصلة، يُحرم المصريون من ثمار التنمية الحقيقية، وتُحمّل الأجيال القادمة إرثًا من الديون يصعب الفكاك منه.