شهد وزير النقل والصناعة بحكومة السيسي، كامل الوزير، مؤخرًا أعمال التشطيبات النهائية لمحطات الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع، مؤكدًا أن المشروع سيربط البحرين المتوسط والأحمر ليكون بمثابة "قناة سويس جديدة على القضبان".

تصريحات الوزير جاءت في وقت يئن فيه المواطن المصري من ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول، ما فتح بابًا واسعًا للجدل حول جدوى المشروع وأولويته، وهل هو حقًا إنجاز وطني، أم "فنكوش جديد" يلتهم مليارات الجنيهات ويستفيد منه الأغنياء فقط؟

 

مليارات تُنفق على رفاهية لا يحتاجها المواطن

منذ الإعلان عن مشروع القطار الكهربائي السريع، تم الترويج له باعتباره نقلة حضارية تربط كافة أنحاء الجمهورية. لكن عند النظر إلى تكلفته الضخمة، التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، يتساءل كثيرون عن مصدر التمويل، وعن السبب في توجيه هذه الأموال لمشروع يستهدف نخبة محدودة قادرة على دفع أسعار التذاكر الباهظة، بينما تعجز الحكومة عن تحسين أوضاع قطارات السكة الحديد التقليدية التي يعتمد عليها ملايين المصريين يوميًا. المواطن البسيط الذي يسافر بين قريته ومحافظته في عربات مهترئة ومكدسة، لا يرى في القطار السريع إلا مشروعًا يلتهم أمواله دون أن يعود عليه بأي فائدة.

 

قناة سويس جديدة… أم وهم على القضبان؟

تشبيه الوزير للقطار السريع بأنه "قناة سويس جديدة على القضبان" يعكس مبالغة صارخة في الدعاية الرسمية. فقناة السويس مشروع يدر مليارات الدولارات سنويًا من العملات الصعبة، بينما القطار السريع لن يضيف للاقتصاد سوى المزيد من الديون وخدمة فئة محدودة من رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب. الأدهى أن الحكومة تبيع للمواطن وهمًا بأن المشروع سيغير شكل الاقتصاد المصري، بينما الواقع يؤكد أنه مجرد وسيلة جديدة لإهدار المال العام في مشاريع استعراضية لا تمس حياة المواطن اليومية.

 

أولويات مهدورة في الصحة والتعليم

في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حيث يعاني المصريون من التضخم، وارتفاع أسعار الغذاء، ونقص الأدوية، تبدو الأولويات واضحة: إصلاح المنظومة الصحية المتهالكة، وتطوير التعليم، وتحسين الخدمات الأساسية. لكن بدلاً من ذلك، تصر الحكومة على ضخ مليارات في مشاريع ضخمة موجهة للسياحة والنقل الفاخر. هذا التناقض بين احتياجات الشارع والمشاريع الحكومية يعكس انفصالًا خطيرًا بين السلطة والمجتمع، ويثير شكوكًا حول الأهداف الحقيقية من وراء هذه المشروعات.

 

المواطن… الحلقة الأخيرة في الاستنزاف

المواطن المصري هو من يدفع الثمن في النهاية، سواء عبر الضرائب غير المباشرة، أو ارتفاع أسعار الخدمات، أو زيادة أعباء الديون التي تمول بها الحكومة مشاريعها الاستعراضية. ومع كل مشروع جديد، تُباع له الأحلام عبر وسائل الإعلام الرسمية، ثم يُترك ليتحمل نتائج الفشل والتبعات الاقتصادية. وفي حالة القطار السريع، تبدو النتيجة واضحة منذ البداية: خدمة فاخرة للأغنياء، مقابل استنزاف ممنهج لجيوب الفقراء.

وأخيرا فالقطار الكهربائي السريع ليس مشروعًا تنمويًا حقيقيًا، بل "فنكوش جديد" يضاف إلى سلسلة طويلة من المشروعات التي تُسوّق دعائيًا باعتبارها إنجازات تاريخية، بينما هي في الواقع أدوات لإهدار المال العام وتضخيم صورة السلطة. وبينما يصفه الوزير بأنه "قناة سويس جديدة"، يراه المواطن مجرد قناة جديدة لتبديد ثرواته. وفي غياب محاسبة ورقابة حقيقية، ستظل هذه المشاريع الاستعراضية تتكرر، فيما تزداد معاناة المصريين معيشةً واقتصادًا يومًا بعد يوم.