أعلن البنك المركزي المصري مؤخراً أن خدمة الدين الخارجي ارتفعت بأكثر من مليار دولار إضافي خلال عام واحد، وهو رقم صادم يكشف إلى أي مدى باتت مصر غارقة في دوامة الديون التي لا تنتهي.
فبينما يروّج النظام لقصص "التنمية" و"المشروعات العملاقة"، تكشف الأرقام الرسمية الحقيقة المرة: اقتصاد مرهق، موارد منهكة، وأجيال مستقبلية محكومة بأعباء مالية ثقيلة.
هذه الزيادة ليست مجرد رقم مالي، بل هي إشارة خطيرة إلى فشل الحكومة في إدارة الاقتصاد واعتمادها المفرط على القروض كحل مؤقت لكل أزمة، حتى تحوّل الدين إلى كرة ثلج تكبر بلا توقف.
حكومة لا تعرف سوى الاستدانة
منذ تولي السيسي الحكم، ارتفع الدين الخارجي من نحو 43 مليار دولار في 2013 إلى أكثر من 165 مليار دولار اليوم.
ومع كل قفزة في حجم الدين، ترتفع خدمة الدين ـ أي الفوائد والأقساط المستحقة ـ لتأكل نصيب الأسد من موارد الدولة.
الحكومة تبرر القروض بأنها موجهة للبنية التحتية والمشروعات القومية، لكن الحقيقة أن معظمها ذهب إلى مشروعات استعراضية مثل العاصمة الإدارية والقطارات الفائقة السرعة، بينما بقيت القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم غارقة في الإهمال.
النتيجة: اقتصاد هش، يعتمد على الاستدانة والسياحة والتحويلات، دون قاعدة إنتاجية حقيقية.
مليار دولار إضافي… من جيب المواطن
زيادة خدمة الدين بمليار دولار تعني عملياً مزيداً من التقشف وغلاء الأسعار. فالحكومة، بدلاً من تقليص نفقاتها غير الضرورية، تلجأ دائماً إلى تحميل المواطن التكلفة عبر:
- رفع أسعار الكهرباء والوقود.
- زيادة الضرائب والجمارك والرسوم.
- تخفيض قيمة الجنيه الذي يلتهم دخول المصريين.
وهكذا يتحول المواطن العادي إلى الممول الأول لعجز الحكومة وفشلها، بينما كبار المسؤولين وأصحاب الامتيازات لا يمسهم أي ضرر.
الاقتصاد بين مطرقة الديون وسندان الفوائد
الاعتماد على القروض جرّ مصر إلى مأزق مزدوج:
- سداد الديون القديمة: مليارات الدولارات تذهب سنوياً لسداد القروض السابقة، فلا يتبقى شيء للتنمية الحقيقية.
- الاقتراض من جديد: لتغطية العجز وخدمة الدين نفسه، تلجأ الحكومة إلى قروض جديدة، فتتضاعف الأزمة.
هذا ما يسميه خبراء الاقتصاد "الفخ الدائري للديون"، وهو فخ قاتل يجعل أي دولة رهينة لقرارات المقرضين وصندوق النقد الدولي، ويجردها من استقلالها الاقتصادي والسياسي.
سياسات عمياء تقود نحو الانهيار
المصيبة أن الحكومة لا تقدم أي رؤية بديلة، بل تكرر نفس السياسات التي ثبت فشلها:
- تعويم متكرر للجنيه يؤدي إلى انهيار القوة الشرائية.
- التوسع في الاستيراد بدلاً من دعم الصناعة المحلية.
- بيع أصول الدولة تحت مسمى "الطروحات" لسد العجز.
كل هذه السياسات لا تعني سوى شيء واحد: إدارة قصيرة النظر لا تفكر سوى في البقاء على المدى القريب، ولو على حساب مستقبل البلاد.
حكومة تبيع المستقبل لسداد الماضي
وفي النهاية فإن ارتفاع خدمة الدين الخارجي بأكثر من مليار دولار ليس مجرد خبر اقتصادي عابر، بل هو جرس إنذار مدوٍ بأن مصر تسير في طريق مسدود.
فكل دولار جديد يذهب لسداد فوائد الدين هو خصم مباشر من حق المواطن في التعليم والصحة والسكن الكريم.
كما أن الحكومة التي تغرق البلاد في القروض وتبيع الأصول وتترك الفقراء يواجهون الغلاء وحدهم، لا تملك أي شرعية اقتصادية أو أخلاقية.
والنتيجة الواضحة هي أن النظام يراهن على "شراء الوقت" بالقروض، لكنه في الحقيقة يبيع مستقبل مصر كله بثمن بخس.