لم يعد الفلاح المصري ينتظر فرحة الحصاد كما كان من قبل، بل أصبح يخشى موسم الزراعة كأنه موسم حساب الخسائر.
هذا العام انهارت أسعار الطماطم إلى جنيهين فقط للكيلو، أي ما يقارب 50 جنيهًا لقفص 25 كجم، بينما تصل تكلفة الفدان الواحد إلى أكثر من 140 ألف جنيه بين بذور وأسمدة وري وأيدٍ عاملة.
والنتيجة أن المزارع يخسر في المتوسط 100 ألف جنيه للفدان، ليخرجمن الموسم مثقلًا بالديون بدلًا من الأرباح.

الأزمة ليست جديدة، ولا تخص الطماطم وحدها.
فكل موسم تتكرر الحكاية: البطاطس تنهار أسعارها، البصل يتلف في المخازن، الذرة والقمح لا يجدان تسويقًا عادلًا.
والسبب واحد: غياب خريطة زراعية واضحة، وغياب سياسة تسعيرية تضمن للفلاح حدًا أدنى من الدخل يحميه من تقلبات السوق.
الدولة تكتفي بالتصريحات عن "الأمن الغذائي"، لكنها على الأرض تترك المنتج الحقيقي يواجه مصيره، بينما تتحكم شبكات التجار والوسطاء في السوق بلا رقيب.

لقد حوّلت الحكومة الزراعة إلى مقامرة خطرة؛ من زرع قد يربح أو يخسر حسب الظروف، لكن المؤكد أن الفلاح

دائمًا هو الخاسر. فبدلًا من أن تضع سياسات للتصنيع الغذائي والتصدير وتوسيع الطاقة الاستيعابية لمصانع الصلصة والتجفيف، اكتفت بالصمت أمام الفوضى.
وبدلًا من دعم الجمعيات التعاونية لتسويق المحصول أو تطبيق الزراعة التعاقدية التي تحمي المنتج من الانهيارالسعري، تركت المزارع فريسة للديون.
 

شكاوى الفلاحين
في محافظة الفيوم، قال بعض المزارعين لوسائل إعلام محلية إنهم فضّلوا ترك محصول الطماطم في الأرض ليتلف بدلًا من بيعه بالخسارة.
أحدهم صرح: "بيوتنا اتخربت ومديونين… الأرض بتتكلف علينا من أول الزراعة لحد الحصاد، وسعر الطماطم من الأرض بـ2 جنيه بس"، مشيرًا إلى أنتكلفة جمع المحصول وتسويقه أعلى من عائده.
وفي الدلتا، يروي فلاح آخر أن المحصول هذا العام جاء وفيرًا لكن دون أي منفعة: "غرقنا في الطماطم ومكسبنا صفر… هنسيب الأرض ولا نزرعها تاني."

ومن جانب آخر، يطالب الفلاحون منذ سنوات بتدخل الدولة عبر إنشاء جمعيات تسويقية قوية أو فرض نظام الزراعة التعاقدية الذي يضمن لهم سعرًا عادلًا قبل بدء الموسم.
لكن ما يحدث على أرض الواقع لا يتجاوز التصريحات الموسمية، بينما يظل التجار والوسطاء هم المستفيد الأكبر من الفوضى السعرية، والفلاح هو الطرف الأضعف الذي يتحمل الخسارة كاملة.

وأخيرا فإن ما يحدث للفلاح المصري ليس مجرد تقلبات سوق، بل نتيجة مباشرة لغياب الدولة عن حماية المنتج الزراعي.

الحكومة تتحدث عن "الأمن الغذائي" لكنها تترك من يزرع الأرض في مواجهة الخسائر، بينما يسيطر التجار والوسطاء على السوق.
إذا استمر هذا الإهمال، فإن كثيرًا من الفلاحين سيعزفون عن زراعة الطماطم وغيرها، وهو ما يهدد استقرار أسعار الغذاء ويفتح الباب أمام الاستيراد المكلف.
الحقيقة المؤلمة أن الفلاح ينهار يومًا بعد يوم، بينما الدولة تكتفي بالغياب، لتبقى مصر مهددة بفقدان عمودها الفقري: الزراعة.