يواجه عدد من النقابات المستقلة أزمة غير مسبوقة، في الوقت الذي تستعد فيه الحركة العمالية لخوض الانتخابات النقابية المقررة في دورة 2026–2030، تتمثل في شرط إداري مستحدث لتحديث بياناتها لدى وزارة العمل، اعتبرته قيادات نقابية خطوة مقصودة لعرقلة مشاركتها في الاستحقاق الانتخابي المقبل.

فبموجب القرار الوزاري رقم 133 لسنة 2025، الذي أصدره وزير العمل محمد جبران في يونيو الماضي، بات لزامًا على كافة المنظمات النقابية تحديث بياناتها خلال ثلاثة أشهر تبدأ من أول يوليو 2025، على أن تتضمن البيانات تفاصيل دقيقة عن كل عضو في اللجنة النقابية، معتمدة رسميًا من صاحب العمل أو هيئة التأمينات الاجتماعية، قبل إيداعها لدى مديريات وزارة العمل.
لكن القرار لم يوضح صراحة العواقب القانونية لعدم إتمام هذا التحديث أو رفض جهة الاعتماد، تاركًا الباب مفتوحًا أمام احتمالات الإقصاء من السباق الانتخابي.
 

أزمة الاعتماد.. بين البيروقراطية والموقف السياسي
كرم عبد الحليم، رئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس، إحدى النقابات المستقلة، أكد أنه اصطدم برفض كلٍّ من جهة العمل والتأمينات الاجتماعية اعتماد البيانات، معتبرًا أن هذا الرفض يعكس موقفًا غير مرحب بالنقابات المستقلة عمومًا.

وأوضح أن صياغة القرار بهذه الطريقة تفتح الباب أمام أصحاب العمل لممارسة ضغوط أو عرقلة تحديث بيانات النقابات، خاصة أن النص لا يُلزمهم قانونيًا بإتمام الاعتماد.

الأمر لم يقتصر على نقابة عبد الحليم؛ إذ واجهت نقابة الضرائب العقارية المستقلة في الإسماعيلية المشكلة نفسها، بحسب رئيسها السابق محمد نور، الذي قال إن وزارة العمل رفضت استلام أوراق التحديث لغياب الاعتماد، وهو ما يهدد استمرار النقابة في ظل أن لجنتها الحالية تعمل بصفة “تسيير أعمال” منذ الانتخابات الأخيرة التي تعطل إجراؤها عام 2022 بفعل “تدخلات أمنية”، على حد قوله.
 

تحذيرات من “استبعاد صامت”
كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، حذر من أن ترك المراجعة النهائية لوزارة العمل على نحو مركزي قد يُمكّن الوزارة من استبعاد النقابات في اللحظة الأخيرة، إذا اعتبرت أن هناك “أخطاء” في الأوراق بعد انتهاء المهلة المحددة، مضيفًا أن الإجراءات قبل الانتخابات السابقة كانت أقل تعقيدًا وأكثر شفافية، حيث كانت مديريات العمل تعتمد البيانات مباشرة دون انتظار رد مركزي من الوزارة.
 

تكاليف مالية وضغوط إضافية
من جانبه، أشار شريف المصري، رئيس النقابة التضامنية للعاملين بمكتبة الإسكندرية، إلى أن التأمينات الاجتماعية قد تفرض تكاليف كبيرة على النقابات عبر اشتراط إصدار “بيان حالة” لكل عضو مقابل رسوم، لافتًا إلى أن النقابات المستقلة غالبًا ما تعاني من موارد مالية محدودة.

المصري شدد أيضًا على أن هذا الشرط يضع النقابات المستقلة “تحت رحمة أصحاب العمل”، كاشفًا عن أن إدارة مكتبة الإسكندرية ترفض الاعتراف بنقابته بزعم عدم جواز التعددية النقابية في المنشأة الواحدة، رغم أن القانون المصري يقر بحق النقابات المستقلة في التأسيس داخل أي جهة عمل.
 

رد فعل الوزارة: صمت رسمي حتى الآن
ورغم أن المصري أكد أنه عرض على وزير العمل خلال اجتماع المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي ضرورة إلغاء شرط اعتماد صاحب العمل أو التأمينات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الوزير أبدى تفهمًا ووعد بدراسة الأمر، فإن وزارة العمل لم تصدر حتى الآن أي قرار أو توضيح رسمي.
 

خلفية قانونية: فراغ تشريعي يثير المخاوف
القانون المنظم للنقابات العمالية ولائحته التنفيذية لا يتضمنان أي نص يلزم المنظمات النقابية بهذا النوع من التحديث المفصل والمعتمد، بل يكتفيان بإلزام النقابات بتقديم تحديث سنوي لعدد أعضائها أو التغييرات في أنظمتها الأساسية أو تشكيلاتها.
هذا الفراغ التشريعي، مقترنًا بغموض القرار الوزاري الجديد، يعزز مخاوف النقابيين المستقلين من أن يكون الشرط الجديد أداة إدارية لإقصائهم دون قرار صريح بمنعهم من الترشح.