شهدت بحيرة المنزلة، إحدى أكبر وأهم مصادر الثروة السمكية، موجة نفوق جماعي لكميات كبيرة من الأسماك، ما أثار قلق الصيادين ومربي المزارع السمكية، وأشعل جدلًا واسعًا حول الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التي تهدد مصدر رزق آلاف الأسر.
 

صيادون ومربون يدقون ناقوس الخطر
عبر مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وثّق مربو الأسماك في البحيرة مشاهد صادمة لعشرات الأطنان من الأسماك النافقة، محذرين من استمرار الكارثة إذا لم يتم التدخل العاجل.

وأرجع كثير منهم السبب إلى ارتفاع غير مسبوق في ملوحة المياه، وهو ما أكد عليه أستاذ الموارد المائية ومالك إحدى المزارع، معاطي قشطة، الذي قال إن «الارتفاع الحاد في نسبة الملوحة» هو العامل الرئيسي وراء هذه الخسائر الفادحة، مشيرًا إلى أن التغيرات البيئية التي تشهدها البحيرة تفاقمت عقب مشروع التطوير الذي انتهى قبل عامين.
 

المد الأحمر والاختلال البيئي
قشطة أوضح أن الظاهرة تتطابق مع ما يُعرف بـ"المد الأحمر" أو Bloom، الناتج عن نمو مفرط للطحالب المجهرية الحمراء أو البنية في بيئات مرتفعة الملوحة وغنية بالمغذيات، مثل النيتروجين والفوسفور، وهي مغذيات تأتي غالبًا من مياه الصرف الزراعي.
هذا النمو الكثيف للطحالب يؤدي إلى استهلاك كميات ضخمة من الأكسجين في الماء، ما يتسبب في نفوق جماعي للأسماك.

وأضاف أن الملوحة في البحيرة «أصبحت أعلى من ملوحة البحر نفسه»، موضحًا أنه تواصل مع المسؤولين في جهاز تنمية البحيرات، لكن الرد الرسمي اقتصر على إرسال وفد لمعاينة الوضع «ثم المغادرة دون اتخاذ خطوات عملية».
 

رؤية الجهاز الرسمي: الظاهرة موسمية
في المقابل، قال مصدر مسؤول في جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية إن ما يحدث «ظاهرة موسمية» تتكرر سنويًا مع ارتفاع درجات الحرارة، موضحًا أن الحرارة العالية تقلل من نسبة الأكسجين الذائب في الماء، ما يجهد الأسماك ويعرضها للنفوق، فيما تشكل الملوحة المرتفعة عامل ضغط إضافيًا على النظام البيئي.

المصدر أضاف أن موجات الحر تسهم أيضًا في زيادة تركيز الأمونيا والمواد السامة، وتنشيط الميكروبات الضارة، وهو ما يفاقم الأزمة البيئية.
 

التطوير... بداية أمل انتهت بخيبة
بدأت خطة تطوير بحيرة المنزلة عام 2017 بهدف استعادة إنتاجيتها بعد سنوات من التلوث والتعديات، ونجحت في البداية في تحسين نوعية المياه وزيادة الصيد.
لكن تقارير لاحقة، بينها تقرير لـ"مدى مصر"، رصدت أخطاء في التنفيذ، أبرزها عدم تجديد بوابات "البواغيز" التي تتحكم في تدفق المياه المالحة من البحر إلى البحيرة.
هذا الخلل أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة من أقل من 5000 جزء في المليون قبل التطوير، إلى نحو 25 ألفًا حاليًا، ما أخلّ بالتوازن البيئي، خاصة بالنسبة لأنواع الأسماك التي تعتمد على بيئة عذبة أو منخفضة الملوحة مثل الدنيس.
 

مصير البحيرة على المحك
أزمة نفوق الأسماك الأخيرة أعادت ملف بحيرة المنزلة إلى الواجهة، وسط دعوات عاجلة من الصيادين والخبراء لإجراء دراسات ميدانية شاملة، ومعالجة الأسباب البيئية قبل أن تتحول البحيرة من مصدر للثروة السمكية إلى بؤرة للمشاكل البيئية والاقتصادية.