في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وارتفاع أعداد الضحايا جراء القصف والحصار المتواصل، أصدرت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وفصائل المقاومة الشعبية، بيانًا عاجلًا يدعو الشعب المصري بكل فئاته وقواه السياسية إلى قيادة حراك جماهيري واسع باتجاه معبر رفح البري، للمطالبة بفتحه الكامل أمام المساعدات الإنسانية وإدخال المواد الإغاثية، وكسر الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عامًا.

الدعوة جاءت في وقت حساس، حيث يتزامن الحصار مع مجاعة متصاعدة، وانهيار البنية التحتية الطبية، وتدمير واسع للمنازل، ما يجعل فتح المعبر قضية حياة أو موت لمليوني فلسطيني يعيشون في غزة.
 

معبر رفح: شريان حياة تحت السيطرة
معبر رفح هو المنفذ البري الوحيد بين قطاع غزة ومصر، ويُعد شريان الحياة الأساسي لسكان القطاع بعد إغلاق معظم المعابر الأخرى من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم كونه على الأراضي المصرية، فإن تشغيله يخضع لاتفاقيات أمنية وسياسية معقدة، تشمل تفاهمات مع الاحتلال ومع أطراف إقليمية ودولية.

منذ بداية الحرب الأخيرة، خضع المعبر لإغلاقات متكررة، وأحيانًا فتح جزئي يسمح بمرور أعداد محدودة من المساعدات أو الجرحى.
لكن حسب بيانات الأمم المتحدة، فإن ما يدخل عبر رفح لا يتجاوز 20% من الاحتياجات الفعلية اليومية لغزة، وهو ما وصفه مسؤولون أمميون بأنه "تجويع جماعي بطيء".
 

الدعوة الفلسطينية: نحو تحرك شعبي مصري
بيان الفصائل الفلسطينية لم يكن موجهًا فقط إلى النخب السياسية، بل إلى كل شرائح الشعب المصري، من النقابات والاتحادات العمالية والطلابية، إلى الأحزاب والتيارات المعارضة، وحتى المواطنين العاديين، للمشاركة في مسيرات ضخمة تتجه نحو شمال سيناء وصولًا إلى معبر رفح.

الرسالة الرئيسية من الفصائل كانت واضحة: الضغط الشعبي هو الأداة الوحيدة القادرة على إجبار النظام المصري على فتح المعبر بالكامل.

مصر، تاريخيًا وجغرافيًا، هي بوابة غزة، ومسؤوليتها القومية والدينية تحتم عليها عدم المشاركة في فرض الحصار.

المعركة في غزة ليست قضية فلسطينية بحتة، بل معركة الأمة كلها ضد الاحتلال وسياساته.
 

ردود الفعل داخل مصر
على الرغم من القيود الأمنية الشديدة المفروضة على التظاهرات في مصر منذ سنوات، فإن الدعوة وجدت صدى لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري، خصوصًا في الأوساط المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي.
انتشرت وسوم مثل #افتحوا_معبر_رفح و**#مصر_مع_غزة**، وتداول النشطاء دعوات للتجمع أمام النقابات المهنية كخطوة أولى قبل التحرك نحو سيناء.

لكن الواقع على الأرض معقد، إذ إن النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي يفرض قيودًا أمنية صارمة في شمال سيناء، ويمنع أي تجمعات أو تحركات جماهيرية كبيرة قد تقترب من المعبر، بحجة "الاعتبارات الأمنية" و"التنسيق الدولي".
 

البعد الإنساني: غزة على حافة المجاعة

وفق برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، فإن سكان غزة يواجهون أسوأ أزمة غذائية في العالم حاليًا:

  • 97% من المياه غير صالحة للشرب.
  • المستشفيات تعمل بأقل من 30% من طاقتها.
  • أكثر من 60% من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد.

المعبر، إذا فُتح بشكل كامل ودون قيود، يمكنه استقبال 500 شاحنة مساعدات يوميًا، وهو ما يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، لكن الواقع الحالي لا يسمح سوى بدخول أقل من 100 شاحنة في أفضل الأحوال.
 

مواقف عربية ودولية متباينة
الدعوة الفلسطينية للشعب المصري تأتي في سياق ضعف عام في الموقف العربي الرسمي تجاه حصار غزة. معظم الأنظمة العربية اكتفت بالبيانات الدبلوماسية، فيما تتقدم دول غير عربية مثل جنوب إفريقيا وتشيلي وبوليفيا باتخاذ خطوات قانونية أو دبلوماسية فعلية ضد الاحتلال.

الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تواصل الضغط من أجل بقاء المعبر تحت "رقابة مشتركة" بين مصر والاحتلال، ما يعني استمرار القيود الصارمة على حركة البضائع والأفراد.
 

سيناريوهات محتملة

  • تحرك شعبي واسع النطاق: إذا تمكنت الدعوات من تعبئة أعداد ضخمة تتوجه نحو رفح، فقد يجد النظام نفسه مضطرًا لتخفيف القيود ولو مؤقتًا.
  • قمع أمني مبكر: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في ظل سياسات النظام الحالية، حيث قد يتم منع أي مسيرة أو تجمع من الوصول إلى سيناء.
  • ضغط دولي متزامن: إذا ترافق التحرك الشعبي مع ضغط دبلوماسي من دول كبرى أو منظمات أممية، قد يشكل ذلك فرصة لفتح المعبر بشكل أوسع.

الدعوة الفلسطينية للشعب المصري للتحرك نحو معبر رفح تمثل نداء استغاثة سياسي وإنساني، يعكس حالة اليأس من المسارات الدبلوماسية التقليدية، ويراهن على قوة الشارع المصري الذي طالما كان سندًا تاريخيًا لفلسطين.

لكن بين الحلم والواقع، تقف منظومة معقدة من السياسات الإقليمية والقيود الأمنية، تجعل من كسر الحصار معركة تحتاج إلى أكثر من مجرد دعوة، بل إلى إرادة سياسية مصرية حقيقية، وهو ما لا يبدو متاحًا حتى اللحظة.