في ظل الصراع الدامي الدائر في السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تزايدت الاتهامات الموجهة لدول إقليمية بلعب دور غير مباشر في تأجيج الصراع، وعلى رأس هذه الدول تأتي دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأثارت تقارير إعلامية ودبلوماسية – كان آخرها ما أوردته قناة "التلفزيون السوداني" – موجة من الجدل بعد إعلانها عن مقتل 40 مرتزقًا كولومبيًا إثر تدمير طائرة إماراتية كانت في طريقها لدعم قوات الدعم السريع، في واقعة صادمة إن صحت تفاصيلها.
هذا التقرير يرصد خلفيات هذا الاتهام، وتفاصيل الدعم الإماراتي المزعوم لقوات حميدتي، والتداعيات الإقليمية والدولية لمثل هذا التدخل، وسط تنديدات شعبية سودانية متزايدة بما يعتبرونه "عدوانًا مقنعًا على سيادة السودان".
حادثة المرتزقة الكولومبيين: ما الذي حدث؟
أعلن التلفزيون السوداني في بداية أغسطس 2025 عن تدمير طائرة شحن إماراتية كانت تحمل مرتزقة كولومبيين، وأفاد بأن 40 مقاتلًا قتلوا على متنها، في خطوة قال إنها تؤكد استمرار الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع.
وبحسب مزاعم السلطات السودانية، كانت الطائرة متجهة إلى غرب السودان، حيث تتركز بعض أهم قواعد الدعم السريع في دارفور.
ورغم غياب التأكيدات الدولية المستقلة لهذا الحادث، فإن خلفيته ليست جديدة، بل تأتي في سياق اتهامات متكررة منذ أكثر من عام لدولة الإمارات باستخدام طائرات شحن مدنية وعسكرية لإيصال دعم عسكري إلى قوات حميدتي، سواء من خلال إريتريا أو ليبيا أو تشاد.
الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع: تسريبات وتحقيقات دولية
أظهرت تقارير دولية، بما في ذلك تحقيقات من شبكة CNN، و"The New York Times"، ومركز صوفان للأبحاث، أن الإمارات متهمة بإرسال مساعدات عسكرية إلى قوات الدعم السريع عبر قنوات معقدة، بعضها يُستخدم فيه مطار عين العرب في ليبيا، وميناء عصب الإريتري.
وتضمنت تلك المساعدات:
طائرات شحن عسكرية من طراز "Antonov".
أسلحة خفيفة ومتوسطة.
معدات اتصال متطورة.
زي عسكري مشابه لذلك المستخدم من قبل الجيوش النظامية، مما يزيد من خطر انتحال صفة الجيش السوداني.
الدافع الإماراتي: ما وراء دعم قوات حميدتي؟
يرى مراقبون أن الطموحات الإماراتية في السيطرة على الموانئ الإفريقية، خصوصًا ميناء بورتسودان الاستراتيجي، تدفع أبوظبي إلى دعم طرف على حساب آخر في الصراع السوداني.
فلطالما سعت الإمارات لتوسيع نفوذها على طول البحر الأحمر، وسعت إلى تكوين شراكات مع قوات محلية لتأمين مصالحها اللوجستية والاقتصادية.
وقد يكون حميدتي، بمليشياته المدربة وقدرته على فرض سيطرته العسكرية على بعض مناطق غرب السودان، هو الحليف المفضل لأبوظبي لتحقيق هذه الأهداف، خاصة بعد تقاطع مصالحه معها في ملفات مثل التجارة غير الشرعية للذهب، وتجنيد المرتزقة للعمليات الخارجية.
ردود الفعل السودانية: سخط شعبي ورفض رسمي
أثارت تقارير الدعم الإماراتي موجة غضب داخل الشارع السوداني، إذ رأى فيها كثيرون تدخلاً سافرًا في شؤون البلاد، ومحاولة لتقسيم السودان بين ميليشيات متصارعة.
وأصدرت جهات مدنية وحقوقية عدة، منها:
لجنة الأطباء المركزية
تحالف القوى المدنية الديمقراطية
نقابة المحامين السودانيين
…بيانات تدين ما وصفته بـ"الدعم اللوجستي والعسكري السري" الذي يستهدف إطالة أمد الحرب، ويؤدي إلى المزيد من القتل والنزوح والدمار.
الدعم السري: الإمارات ونمطها المعروف
ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الإمارات اتهامات باستخدام المرتزقة وتمويل الحروب عبر جهات غير رسمية. فقد:
تورطت في الحرب الليبية بدعم الجنرال خليفة حفتر.
دعمت المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، بعيدًا عن شرعية الحكومة المعترف بها.
ساندت انقلابيين في النيجر وتشاد بحسب تقارير استخباراتية غير مؤكدة.
جندت مقاتلين كولومبيين وسودانيين في السابق للقتال في اليمن، مقابل رواتب عالية.
وتُظهر هذه الأنماط أن الإمارات تعتمد في تدخلاتها الخارجية على القوة غير النظامية (المرتزقة) والتدخل الاقتصادي والأمني غير المباشر، بما يضمن لها النفوذ دون التورط الرسمي المباشر.
الدعم الدولي للجيش السوداني وتوازن القوى
في المقابل، يبدو أن الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان قد بدأ بتلقي دعم دولي صامت من قوى أخرى مثل مصر والجزائر، إلى جانب وجود اتصالات دبلوماسية مع دول مثل السعودية وتركيا، لمحاولة كبح جماح الدعم السري الذي تتلقاه قوات الدعم السريع.
ويُتوقع أن تتطور هذه الاتصالات إلى مطالبات في مجلس الأمن بفتح تحقيق أممي في دعم أطراف خارجية لقوات متورطة في جرائم ضد المدنيين في دارفور والخرطوم.
التحولات الدولية: هل تنقلب الطاولة على الإمارات؟
مع تزايد التغطية الإعلامية الدولية، خصوصًا في الصحف الأوروبية مثل "Le Monde" و"Der Spiegel"، هناك ضغط متزايد على الحكومات الغربية لمساءلة الإمارات عن دورها في صراعات القرن الإفريقي.
وقد تطالب منظمات دولية مثل:
هيومن رايتس ووتش
العفو الدولية
مركز جنيف للعدالة
…بإجراء تحقيق شامل في ما إذا كانت المساعدات الإماراتية قد أسهمت في جرائم حرب ضد المدنيين في دارفور وولايات النيل الأبيض وكردفان.
حرب بالوكالة أم تدخل مباشر؟
ما بين الاتهامات الإعلامية والتقارير الدبلوماسية المسربة، يبقى دور الإمارات في السودان قضية معقدة ومحورية.
فرغم إنكار أبوظبي لأي تدخل رسمي، فإن القرائن المتراكمة تشير إلى أن الإمارات قد تجاوزت الخط الأحمر لدعم جماعة عسكرية خارجة عن السلطة الشرعية، مما يجعلها موضع انتقاد سياسي وأخلاقي واسع.
إن السودان اليوم يدفع ثمنًا باهظًا لصراعات القوى الإقليمية على أراضيه، ويبقى الشعب السوداني وحده هو الضحية الحقيقية في معركة يتقاتل فيها الكبار من خلف الستار.