في مأساة جديدة تضاف إلى سجل "نَزيف الأسفلت" في مصر، لقي سبعة أشخاص مصرعهم وأصيب 44 آخرون صباح اليوم في حادث تصادم مروّع بين أتوبيس نقل ركاب وسيارتين نقل ثقيل على الطريق الصحراوي الشرقي، بالقرب من بوابات الكريمات جنوب محافظة الجيزة.

الحادث وقع في الساعات الأولى من الصباح، حين انحرفت إحدى سيارات النقل بشكل مفاجئ نتيجة السرعة الزائدة، مما أدى إلى اصطدام مباشر مع أتوبيس يقل أكثر من خمسين راكبًا، قبل أن تلتحق سيارة نقل ثانية بموقع الحادث وتزيد من عدد الضحايا.

هرعت سيارات الإسعاف إلى موقع التصادم وتم نقل المصابين إلى مستشفيات بني سويف والصف، فيما تم الدفع بقوات المرور والحماية المدنية لرفع آثار الحادث وإعادة الحركة إلى الطريق الذي توقّف لنحو ساعتين.

 

حوادث لا تتوقف: الطريق الصحراوي الشرقي يواصل حصد الأرواح

الحادث الأخير ليس إلا حلقة جديدة في مسلسل طويل من الكوارث المرورية التي يشهدها الطريق الصحراوي الشرقي، خاصة في محيط بوابات الكريمات، والذي يطلق عليه بعض السكان "طريق الموت"، نظرًا للعدد المتكرر من الحوادث التي تقع عليه شهريًا.

ووفقًا لتقارير سابقة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن هذا الطريق يُعد من بين أكثر 5 طرق في مصر من حيث الحوادث المميتة، حيث تم تسجيل أكثر من 320 حادثًا مميتًا عليه خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، وأسفر ذلك عن مئات الضحايا ما بين قتيل وجريح.

 

تساؤلات حول المسؤولية: من يحاسب؟

الحادث الأخير يفتح من جديد باب التساؤل حول من يتحمل المسؤولية عن استمرار هذه المآسي؟ فرغم وعود متكررة من الجهات المسؤولة عن تطوير الطرق والبنية التحتية، لا يزال الطريق الصحراوي الشرقي يعاني من:

ضعف الإضاءة في بعض المناطق.
نقص اللافتات الإرشادية والتحذيرية.
تهالك أجزاء من الأسفلت.
انعدام الرقابة على السرعات الزائدة، خاصة من سائقي النقل الثقيل.
غياب خدمات الطوارئ الفعالة على امتداد الطريق.
ويحمّل مواطنون وخبراء نقل مسؤولية الحوادث لعدد من الجهات المعنية، منها الهيئة العامة للطرق والكباري، وإدارة المرور، ووزارة النقل، مشيرين إلى أن غياب التنسيق بين هذه الجهات هو ما يطيل أمد الكارثة ويكرّس التراخي في وضع حلول جذرية.

 

أموال تُهدر على طريق الموت

في عام 2020، أعلنت الحكومة عن تخصيص أكثر من 1.5 مليار جنيه لتطوير الطريق الصحراوي الشرقي، ضمن المشروع القومي للطرق. وفي العام 2022، تم الإعلان عن أعمال توسعة وتطوير امتدت بطول 120 كم، شملت إنشاء حارات جديدة للنقل الثقيل.

لكن بعد مرور ثلاث سنوات على انتهاء تلك التوسعات، يرى مراقبون أن الأموال لم تُترجم إلى أمان فعلي على الأرض، بل تم توجيهها في أغلبها إلى إنشاء الحارات دون تطوير منظومة السلامة المرورية أو بناء نقاط إسعاف كافية.

أين ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا لا تزال الحوادث تتكرر بنفس النمط والضحايا؟ أسئلة طرحتها جمعيات أهلية ونشطاء على منصات التواصل عقب الحادث الأخير، مطالبين بتحقيق شامل وشفاف حول مدى فعالية الإنفاق الحكومي على هذا الطريق تحديدًا.

 

شهادات من قلب الحادث

يقول أحد الناجين من الحادث ويدعى "محمد عبد الغني"، وهو عامل في إحدى شركات المقاولات وكان يستقل الأتوبيس:

"فوجئنا بسيارة نقل تسير بسرعة جنونية، قبل أن تنحرف فجأة وتصطدم بنا. لم نشعر بشيء بعدها إلا ونحن ممددون على الأرض والدماء في كل مكان... رأيت شخصًا بجواري يلفظ أنفاسه الأخيرة".

من جهتها، قالت "نورا"، ممرضة في مستشفى بني سويف العام:

"وصلت الحالات تباعًا، بعضها في حالة حرجة جدًا، إصابات في الرأس والعمود الفقري. بعض الضحايا لم يُعرف اسمهم حتى الآن".

 

ما الحل؟

يطالب خبراء النقل والمجتمع المدني بوضع خطة عاجلة تتضمن:

إنشاء نقاط إسعاف ثابتة ومجهزة كل 30 كم على الطريق.
تركيب كاميرات مراقبة لرصد السرعة والتجاوزات.
تخصيص حارات ذكية للنقل الثقيل تكون مفصولة عن السيارات الملاكي.
إجراء صيانة دورية للأسفلت وإزالة المطبات غير النظامية.
اعتماد نظام النقاط المرورية لردع السائقين المخالفين.
كما دعوا إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة تضم خبراء مرور واقتصاد ومجتمع مدني، لمراجعة تكلفة تطوير الطريق وأسباب استمرار الحوادث رغم المشروعات الحكومية.

 

نزيف مستمر لا ينتهي

حادث الكريمات يضيف إلى قائمة طويلة من ضحايا نزيف الأسفلت، ويعيد إلى الواجهة قضايا مزمنة تتعلّق بسوء إدارة الطرق في مصر، واستخدام الموازنات العامة في مشاريع دون تخطيط شامل لعنصر السلامة. ومع تكرار الكارثة، يبقى المواطن وحده من يدفع الثمن، وسط صمت رسمي وغياب للمحاسبة.