في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، تأتي قضية فصل 1500 عامل من سلسلة محلات "بـ لبن" لتسلط الضوء على واقع مرير يعاني منه العمال في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، حيث شهد العاملون في الشركة، التي تعد من أكبر سلاسل الحلويات في مصر، قرارات تعسفية بفصلهم دون تعويض عادل، وسط إجراءات قاسية من الإدارة أغلبها مشكوك في شرعيتها.

بدأت أزمة عمال "بـ لبن" في أبريل 2025، عندما قررت الهيئة القومية لسلامة الغذاء في مصر إغلاق 110 فروع للشركة بعد ورود نتائج تحاليل أظهرت وجود بكتيريا ممرضة في منتجاتها، ما تسبب بحالات تسمم غذائي في مصر والسعودية.

وقتها، ناشدت إدارة الشركة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي التدخل لإنقاذ مصير 25 ألف عامل، وهو الطلب الذي تلقى استجابة سريعة حيث تم عقد اجتماع عاجل مع الجهات المختصة لضمان سلامة المنتجات.

مع عودة الفروع للعمل تدريجياً بعد الإغلاق، تفاقمت الأزمة عبر شيوع قرارات فصل تعسفي لنحو 1500 عامل خلال الأسابيع الماضية من أغسطس 2025.

تم إجبار هؤلاء العمال على توقيع استقالات مقابل راتب شهر يوليو فقط، بالإضافة إلى توقيعهم إقرارات بعدم الحديث عن القضية في الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي وعدم المطالبة بأي تعويضات، بالإضافة إلى استمارة غلق التأمين.

تداعيات الانتهاكات

يؤكد شهود من العمال أن إجراءات الفصل لم تكن شفافة أو قانونية، حيث اضطر كثير منهم للتوقيع على الاستقالات تحت ضغط التهديد بفقدان الرواتب، كما حدث مع عمر ومحمد خيرت من فروع مختلفة، الذين اضطروا للبقاء في حالة من الخوف والقلق حول مستقبلهم ومستقبل أسرهم.

في شهادة مأساوية، روى عمر أنه رفض التوقيع في البداية، لكنه اضطر للقبول بسبب الخوف من الانقطاع عن الدخل وعدم وجود بدائل، مع تأكيد فريد أن نظام "الباب الدوار" هو القاعدة في شركة "بـ لبن"، حيث تُفصل العمال باستمرار وتُستبدل بأخرى.

هذه القرارات تأتي بينما توقفت الشركة عن دفع مستحقات بعض العاملين، مع تجاهل كامل لالتزاماتها القانونية والإنسانية، فيما تعتبر منظمة نقابية حقوقية أن هذا التصرف يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق العمال، ويعكس سياسة قمع ممنهجة تحت ستار "تطوير الشركة وتحسين الإنتاج".

موقف وزارة العمل وتعثر حماية العمال

حركت وزارة العمل بحكومة الانقلاب المصرية ملف الأزمة، وأعلنت متابعة ما يجري بشكل رسمي حيث أرسلت لجان تفتيش لمقر الشركة وفروعها لفحص مدى التزامها بقوانين العمل، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الفصل والتعويضات، غير أن الوزارة لم تتلق حتى الآن شكاوى رسمية كثيرة من العمال المفصولين، ما يعيق تحركها السريع، في حين تدعو حقوقيون العمال للتقدم بشكاوي رسمية لضمان فتح تحقيق رسمي وشامل.

تأتي هذه الأزمة لتكشف هشاشة قوانين حماية العمال في مصر وغياب الرادع القانوني الفعال أمام الانتهاكات التعسفية التي ترتكبها الشركات الكبيرة، في ظل غياب الرقابة الفعالة من قبل الدولة.

لا يمكن فصل أزمة عمال "بـ لبن" عن السياق السياسي الأكبر في مصر تحت حكم السيسي، إذ تلقي هذه الأزمة الضوء على ضعف العدالة الاجتماعية، حيث يُستخدم ملف العمال كورقة ضغط أوراق للمنافع الإدارية والسياسية، كما حدث حين استخدمت إدارة الشركة العمال لمناشدة رئاسة الانقلاب للحصول على دعم عبر التدخل السريع، لكن دون تقديم حلول جذرية مستدامة للعمال الذين ما زالوا يعانون من الفصل والقهر.

ويُظهر الواقع أن حكومة الانقلاب لا تفعل الكثير لحماية حقوق العمال أو خلق بيئة عمل مستقرة تضمن حقوقهم، إذ يستمر فصل العمال التعسفي دون تعويض أو ضمانات قانونية في خضم أزمات اقتصادية متزايدة وغلاء معيشة متصاعد، ما يزيد من معاناة ملايين الأسر.

مسؤول في وزارة العمل المصرية أكد أن "الوزارة تتابع الأزمة عن كثب وسترسل لجان تفتيش للتحقيق في مدى قانونية فصل العمال وحصولهم على مستحقاتهم".

ناشطون وحقوقيون طالبوا الحكومة بـ "وقف الانتهاكات الجماعية بحق العمال وإعادة النظر في آليات الحماية القانونية لهم، وإنهاء ثقافة التستر على مخالفات الشركات"

الواقع الصادم الذي تعيشه آلاف الأسر المصرية بسبب فصل تعسفي في شركة "بـ لبن" هو شهادة على سياسة اقتصادية واجتماعية غائبة في حماية الفئات الأضعف، ويعكس فشلاً إدارياً وتنظيمياً مزمنًا في نسيج اقتصاد ما بعد ثورة 2011.

تضاف هذه الأزمة إلى سجل طويل من ممارسات تهميش العمال في مصر، في ظل استمرار السياسات الحكومية التي تمنح الشركات الكبرى هامشاً واسعاً للمخالفات على حساب حقوق الإنسان والكرامة.

حقوق العمال المهدرة اليوم هي كارثة اجتماعية يجب أن تكون نقطة انطلاق حقيقية لإصلاح شامل في بيئة العمل في مصر، حيث تكون العدالة والكرامة للعمال أولوية حقيقية لا تتبدل بتبدل الأوضاع أو الأزمات السياسية، بل تُعتبر أساساً لأي تنمية شاملة واستقرار مجتمعي.