استيقظ مربو المزارع السمكية، أمس الخميس، على مشهد أكثر تعبيرًا من أي بيان رسمي: أسماك نافقة تطفو على وجه المياه وكأنها تحتج بصمتٍ مالح!
تداول الصيادون ومربو الأسماك مقاطع فيديو ترصد الكارثة، في وقتٍ يبدو فيه أن الخطط التنموية تتبخر أسرع من الأوكسجين في البحيرة، بينما الأسماك تُدفن حيّة بفعل ملوحة المياه المتزايدة.
وبينما تتحدث حكومة السيسي عن تطوير البحيرة، يبدو أن السمك قرر الانسحاب من المشهد مبكرًا، في هروب جماعي من "النهضة"، تاركًا خلفه مزارعين غارقين في الديون، لا في المياه.
الارتفاع الحاد في نسبة الملوحة
أستاذ الموارد المائية ومالك إحدى المزارع في البحيرة، معاطي قشطة، قال إن السبب الرئيس وراء ما حدث هو «الارتفاع الحاد في نسبة الملوحة»، مشيرًا إلى أن هذه التغيرات البيئية جاءت في أعقاب مشروع التطوير الذي شهدته البحيرة خلال السنوات الماضية، وفقًا لـ لـ«مدى مصر».
ارتفاع درجات الحرارة
في المقابل، قال مصدر مسؤول في جهاز «حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية» إن نفوق الأسماك يُعد ظاهرة موسمية تحدث عادة مع ارتفاع درجات الحرارة، مؤكدًا أن الملوحة المرتفعة ليست السبب الأساسي لما تشهده البحيرة.
وأوضح المصدر أن موجات الحر تقلل من نسبة الأكسجين الذائب في المياه، ما يجهد الأسماك ويؤدي إلى نفوقها، بينما تشكل الملوحة المرتفعة عبئًا بيئيًا إضافيًا يزيد من الضغط على النظام البيئي للبحيرة. وأضاف أن درجات الحرارة المرتفعة تسهم كذلك في ارتفاع تركيز الأمونيا والمواد السامة، وتنشيط الميكروبات الضارة، مما يفاقم المشكلة.
المد الأحمر
قشطة من جانبه أكد أن الظاهرة تحدث دوريًا، وإن أشار إلى تفاقمها عقب «تطوير البحيرة» الذي انتهى قبل عامين، مؤكدًا أن ما حدث مرتبط بظاهرة «المد الأحمر» أو الـBloom، والتي ظهرت، بحسب روايته، في أغلب أنحاء البحيرة، وتحدث نتيجة نمو مفرط للطحالب المجهرية الحمراء أو البنية، في بيئات مرتفعة الملوحة وغنية بمغذيات مثل النيتروجين والفوسفور، وهي مغذيات عادةً ما تأتي من الصرف الزراعي، وتؤدي إلى انخفاض حاد في الأكسجين، ونفوق جماعي للأسماك.
تعود بداية مشروع تطوير بحيرة المنزلة إلى عام 2017، حين أطلقت حكومة السيسي خطة موسعة لتحسين أوضاعها بعد سنوات من التدهور البيئي، وانخفاض إنتاج الأسماك، وارتفاع معدلات التلوث والتعدي على المسطح المائي. وبالفعل شهدت البحيرة تحسنًا ملحوظًا في البداية، لكن الوضع لم يدم طويلًا.
التغير في طبيعة المياه
"الملوحة بقت أعلى من ملوحة البحر"، يقول قشطة، مضيفًا أنه وثّق الظاهرة وتواصل مع المدير التنفيذي لجهاز تنمية البحيرات، لكن الرد اقتصر على إرسال وفد من الموظفين «شافوا ومشيوا»، على حد وصفه، دون اتخاذ أي إجراءات فعلية.
ولحقت العديد من مظاهر التدهور البيئي ببحيرة المنزلة بعد انتهاء أعمال التطوير، التي صاحبتها بعض الأخطاء التنفيذية، كان من أبرزها عدم تجديد البوابات التي تنظم تدفق المياه المالحة من البحر إلى البحيرة عبر «البواغيز»، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة من أقل من 5000 جزء في المليون قبل التطوير، إلى نحو 25 ألفًا حاليًا. هذا التغير في طبيعة المياه أخلّ بالتوازن البيئي داخل البحيرة، خصوصًا بالنسبة لأنواع الأسماك التي اعتادت العيش في بيئة عذبة أو منخفضة الملوحة، مثل الدنيس.
أبرز الأسباب المحتملة لنفوق الأسماك في بحيرة المنزلة:
1. ارتفاع ملوحة المياه
يُعد السبب الرئيسي حسب إفادات المتضررين. قد يكون ناتجًا عن تسرب مياه البحر إلى مناطق من البحيرة أو المزارع بسبب ضعف أو غياب الحواجز.
2. سوء إدارة المياه
التلاعب في فتح أو غلق بوابات المياه، وعدم تنظيم خلط المياه المالحة والعذبة، مما يربك النظام البيئي. كما أن قلة ضخ مياه النيل أو المعالجة أدى إلى نقص الأوكسجين وارتفاع الملوحة.
3. غياب الرقابة البيئية
نقص في قياس جودة المياه أو الإنذار المبكر لحالات الخلل. وتجاهل التحذيرات السابقة من تفاقم التلوث والملوحة.
4. تلوث المياه
بعض المزارعين يشتبهون في وجود تصريف صناعي أو زراعي أو صرف صحي غير معالج أدى لتغيرات في جودة المياه.
5. درجات حرارة مرتفعة
ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يؤدي إلى انخفاض تركيز الأوكسجين في المياه، مما يزيد من الإجهاد البيئي على الأسماك.
إن النفوق المفاجئ للأسماك في بحيرة المنزلة يعكس أزمة بيئية مزمنة في إدارة البحيرة، وسط تجاهل حكومي لمطالب المزارعين والصيادين بضرورة الرقابة وتنظيم جودة المياه.