في زمن أصبحت فيه الرياضة ساحة نضال رمزية وسياسية بامتياز، برز عدد من نجوم كرة القدم العالميين بمواقف إنسانية مؤثرة دعماً للقضية الفلسطينية ومعاناة أهالي قطاع غزة، في ظل العدوان المتواصل منذ أكتوبر 2023. في المقابل، غاب صوت النجم المصري محمد صلاح أحد أبرز لاعبي الكرة العربية والعالمي – عن المشهد، مما أثار موجة استياء شديدة بين جماهيره في العالم العربي، وانقسامًا حادًا حول مفهوم "المسؤولية الأخلاقية" للمشاهير في مثل هذه القضايا.
وفي الوقت الذي تشهد فيه غزة واحدة من أكثر المآسي الإنسانية دموية في التاريخ الحديث، تزايدت مواقف الدعم والمناصرة من شخصيات رياضية عالمية، لم يتردد بعضها في كسر الصمت ورفع الصوت في وجه العدوان الإسرائيلي على المدنيين، وسط خيبة أمل واضحة من صمت نجم كرة القدم العربي الأشهر محمد صلاح.
فبينما يتصدر العدوان الإسرائيلي العناوين، وتحصد الهجمات الأرواح من الأطفال والنساء والشيوخ، بدا أن الشارع العربي كان ينتظر من محمد صلاح موقفًا أكثر وضوحًا وجرأة، ينسجم مع شعبيته الجارفة ومكانته في العالم العربي والإسلامي. لكن غياب صوته عن القضية خلق موجة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعزز شعورًا عامًا بالخذلان لدى الكثيرين.
دعم رياضيين غربيين للقضية الفلسطينية
رغم التهديدات المتزايدة من المؤسسات الرياضية والدعائية الغربية التي عادةً ما تحذر من الخوض في الشأن السياسي، خرج عدد من الرياضيين المشاهير عن صمتهم، مبدين مواقف إنسانية واضحة تجاه ما يحدث في غزة.
من أبرز هؤلاء، بول بوغبا، النجم الفرنسي المسلم، الذي لطالما عبّر عن دعمه للقضية الفلسطينية، وظهر في مناسبات سابقة وهو يحمل علم فلسطين داخل الملاعب، وقد نشر مؤخرًا عبر حسابه على "إنستغرام" صورة سوداء كتب فيها "الحرية لفلسطين"، وعبّر عن تعاطفه مع الضحايا المدنيين.
كما عبّر النجم الجزائري رياض محرز، لاعب الأهلي السعودي حاليًا ومانشستر سيتي سابقًا، عن تضامنه مع غزة، وشارك صورًا وتغريدات تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي، داعيًا العالم إلى "الإنصات لصوت الضحايا الأبرياء".
حتى من خارج العالم العربي والإسلامي، انضم بعض الرياضيين إلى موجة الدعم، منهم نجمة التنس الأمريكية كوكو غوف، التي شددت في مقابلة إعلامية على أهمية العدالة وحق الشعوب في الحياة، وقالت إنها تتألم لما تشاهده من صور الدمار في غزة.
الكوري الجنوبي سون هيونغ مين قائد توتنهام
كما وجه الكوري الجنوبي سون هيونغ مين، قائد توتنهام الإنجليزي لكرم القدم، السبت، رسالة تضامن ودعم للعائلات الفلسطينية المتضررة من المجاعة، بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل في قطاع غزة.
وظهر سون في مقطع فيديو نشره بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بصفته سفيرا للنوايا الحسنة لدى البرنامج، ومشاركا في مبادرات مكافحة الجوع في العالم.
وقال سون هيونغ مين في كلمة ألقاها بلغته الأم: "في فلسطين، العديد من الأسر والأطفال يعانون الجوع الشديد، أكافح ضد الجوع في مختلف أنحاء العالم بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي".
وتابع: "منح الطعام لكثير من العائلات بمثابة منحهم الحياة، يمكنك إنقاذ الأرواح في أماكن تعاني الجوع الضاري عن طريق منحهم وجبات غذاء دافئة".
واختتم في رسالته المؤثرة: "الغذاء هو أفضل هدية يمكن تقديمها، أرجوكم تبرعوا الآن".
مقدم أبرز برنامج في “بي بي سي”.. اللاعب الدولي السابق غاري لينك
أكد مقدم أهم برنامج رياضي على هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، غاري لينكر أنه سيدعم وبالتأكيد إعادة عرض فيلم سرده أطفال في غزة وسط الحرب.
وقال في مقابلة مطولة أجراها معه أمول راجان حول ظروف مغادرته بي بي سي والتوقف عن تقديم “ماتش أوف ذي داي” (مباراة اليوم) الشهير، إنه يؤيد 100% إعادة وضع الفيلم على خدمة آي بليير مرة أخرى: “أؤيد تماما إعادة عرض الفيلم الوثائقي” مضيفا: “أعتقد أن عليكم ترك الناس يقررون بأنفسهم، نحن بالغون ويجب أن يسمح لنا بمشاهدة مثل هذه الأشياء. إنه مؤثر جدا”.
محمد صلاح... الغائب الحاضر
في المقابل، يظل محمد صلاح، لاعب ليفربول الإنجليزي وأيقونة الكرة المصرية والعربية، صامتًا في نظر كثيرين، رغم أن صوته كان ليحدث فرقًا هائلًا نظرًا لجماهيريته العالمية، خاصة في الغرب، حيث يحظى بتقدير واسع بوصفه رمزًا للتسامح والتعايش بين الثقافات.
ورغم أن صلاح نشر في الأشهر الأولى من العدوان منشورًا مقتضبًا يدعو لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، فإن الرسالة لم تتضمن ذكرًا واضحًا لفلسطين أو غزة أو حتى للطرف المعتدي، ما جعلها بنظر الكثيرين "محايدة إلى درجة التواطؤ"، على حد تعبير عدد من النشطاء عبر منصات التواصل.
وانتشرت على موقع "إكس" (تويتر سابقًا) وسم #صلاح_فين؟ و#صلاح_تكلم، يعكس حجم الإحباط والغضب من جمهوره العربي، الذي يرى أن صمته لا يليق بمكانته، ولا يعكس حقيقة المعاناة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
تفسيرات متعددة... وغضب لا يهدأ
يحاول البعض تبرير صمت صلاح بأنه نتيجة لضغوطات سياسية وإعلانية يتعرض لها كلاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث تهيمن المؤسسات الإعلامية المؤيدة لإسرائيل على جزء من الخطاب العام. كما أن شركاءه التجاريين، مثل شركات الألبسة والمشروبات العالمية، قد لا يرحبون بإقحام نجمهم الأشهر في قضايا شائكة.
لكن هذه التبريرات لم تعد تقنع كثيرين. ففي الوقت الذي يتحدث فيه نجوم من جنسيات مختلفة بحرية أكبر، فإن "الصمت من أجل الحفاظ على الرعاة" بات يُنظر إليه كتنازل عن المبادئ، خاصة حين تكون الأرواح تُزهق يوميًا تحت الأنقاض.
تقول الناشطة الفلسطينية ريم حمدان: "صلاح ليس مجرد لاعب كرة. هو قدوة لجيل كامل من الشباب العربي والمسلم. عندما يصمت، فإن كثيرين يصمتون معه. وعندما يتحدث، فإن أثره يتردد في أنحاء العالم. لهذا فإن خذلان صوته مؤلم".
هل حان وقت المراجعة؟
أثار الجدل المتصاعد حول موقف محمد صلاح سؤالًا أعمق: ما هو دور الرياضيين في القضايا الإنسانية؟ وهل المطلوب منهم فقط أن يكونوا "نموذجًا رياضيًا"، أم أنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية تجاه القضايا العادلة؟
التاريخ الرياضي يزخر بنماذج لنجوم لم يترددوا في التضحية بمسيرتهم من أجل مواقفهم، مثل الملاكم محمد علي كلاي الذي رفض التجنيد في حرب فيتنام، أو لاعبي منتخب أمريكا لكرة السلة الذين انحنوا في دورة الأولمبياد تضامنًا مع السود.
اليوم، ومع تنامي الوعي الاجتماعي لدى الأجيال الجديدة، لم يعد الصمت مقبولًا في نظر كثير من الجماهير، خاصة عندما يأتي من شخصيات عامة تربّت أجيال على أقدامهم بوصفهم قدوة ومصدر إلهام.
وختاما فإن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة سياسية، بل مأساة إنسانية تتطلب ضميرًا عالميًا، وصوتًا من كل من يمتلك تأثيرًا أو قدرة على لفت الانتباه. في هذا السياق، يصبح صوت الرياضيين، بما فيهم محمد صلاح، ضروريًا لا ثانوياً.
قد يكون من الظلم تحميل فرد واحد مسؤولية صمت العالم، لكن من المؤكد أن الكلمات الصادقة من شخص بحجم صلاح قد تعني الكثير. وبينما يُقتل الأطفال تحت القصف، فإن أقل ما يُنتظر من "فخر العرب" أن يكون صوتهم في المحافل العالمية، لا أن يغيب في لحظة هي الأكثر حاجة له.