في حين أن العديد من الدول الغربية تقف ضد إبادة وتجويع أهل غزة والتنكيل بهم مثل إسبانيا وفرنسا وهولندا، نجد أنه هناك أنظمة عربية ورؤساء يقمعون ويعتقلون المئات من الذين يخرجون للشوارع لدعم غزة كالسيسي وأبومازن وعبداللة ملك الأردن.
قمع السلطة الفلسطينية وأبو مازن
ومنذ قليل قمعت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، مسيرة في نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، تطالب بإنهاء حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة.
ونشرت وسائل إعلام فلسطينية مقاطع تظهر إطلاق قنابل الغاز على مظاهرة خرجت في نابلس تضامنا مع غزة وللمطالبة بوقف حرب الإبادة، واعتقال عدد منهم.
والأسبوع الماضي، قمعت أجهزة أمن السلطة عدة مظاهرات في الضفة الغربية المحتلة، خرجت للتنديد بسياسة التجويع وبالعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع المحاصر.
وقد أدانت مجموعة "محامون من أجل العدالة" (حقوقية مستقلة) -ومقرها في رام الله– "بشدة" قمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية هذه المظاهرات السلمية، معتبرة أن ذلك يشكل "انتهاكا صارخا للقانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية".
وأكدت -في بيانها- أن استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين العُزل وملاحقة الناشطين يضرب بعرض الحائط مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير والتجمع السلمي.
كما استنكرت "الاعتقالات التعسفية" التي شملت عددا من المشاركين في المظاهرات، مؤكدة أن هذه الخطوة تهدف إلى تكميم الأفواه وردع أي حراك شعبي سلمي يدعو لإنهاء العدوان المستمر على قطاع غزة.
ودعت المؤسسات المحلية والدولية ولجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، للضغط من أجل وقف حرب الإبادة في غزة، و"محاسبة عناصر الأجهزة الأمنية المتورطين في الاعتداء على المتظاهرين السلميين والناشطين واعتقالهم تعسفيا".
قمع الأردن
قالت حسابات على مواقع التواصل، إن السلطات الأمنية اعتقلت الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أيمن عبلي، المعروف بمحتواه المناصر لغزة منذ بداية الحرب على القطاع.
وكان عبلي نشر قبل أيام مقطعا انتقد فيه تجويع سكان قطاع غزة، وخذلانهم، على حد تعبيره.
على جانب آخر، تتواصل الاعتقالات في الأردن على خلفية الوقفات الاحتجاجية والأنشطة الشعبية الداعمة لغزة، حيث لا تزال الأجهزة الأمنية تستدعي الناشطين الذين شاركوا في فعاليات خلال الأسابيع الماضية وآخرين نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يزال آخرون قيد الاحتجاز منذ أسابيع طويلة.
وشهدت العاصمة عمّان ومحافظات أخرى موجة متجددة من الاستدعاءات من قبل الأجهزة الأمنية خلال الساعات الماضية، وطلب من بعض الموقوفين بحسب ما قالت عائلاتهم توقيع كفالة بمبالغ مالية طائلة وصلت بنحو 30 ألف دولار أمريكي، مقابل الإفراج عنهم.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، قالت في وقت سابق، إن مئات النشطاء يمثلون أمام القضاة الأردني، ويتم إسقاط العديد من التهم في نهاية المطاف، إلا أنهم بحسب ما قال محامون وناشطون يعاد اعتقالهم عبر وزارة الداخلية باستخدام إجراءات الاحتجاز الإداري "المسيئة"، ويجبر بعض المحتجزين على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو التحريض عليه تحت طائلة دفع غرامات طائلة.
قمع مصر السيسي
ورصدت جوار ظهور 20 فتاة أمام نيابة أمن الدولة العليا خلال الأسبوع الجاري على ذمة قضايا جمع تبرعات لغزة، وسط أنباء عن اختفاء عدد آخر، وذلك بعد اعتقال سلطات الانقلاب في مصر متطوعين شاركوا في جمع التبرعات لدعم مبادرات تغذية في قطاع غزة، ما تسبب في توقف التكايا المصرية التي كانت تقدم وجبات غذائية للأهالي منذ بداية الحرب.
وتُعد هذه الاعتقالات جزءًا من حملة أوسع يشنها النظام الانقلابي في مصر، حيث يقبع نحو 173 معتقلاً على ذمة قضايا أمن دولة منذ أكتوبر 2023، على خلفية التعبير عن الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية. من بين هذه الحالات اعتقالات خلال تظاهرات في القاهرة والإسكندرية وأحداث في محيط جامع الأزهر، إضافة إلى اعتقال أطفال وشباب رفعوا لافتات تطالب بفتح معبر رفح.
ولم يكتفِ النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي بإغلاق معبر رفح وتشديد الحصار على غزة، بل ذهب إلى ملاحقة كل من يحاول تقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين، سواء عبر التبرعات أو المبادرات الشعبية، ليضاعف بذلك من معاناة المحاصرين ويغلق ما تبقى من أبواب النجاة.
هولندا تدرج الكيان الإسرائيلي باعتباره تهديداً أمنياً
في خطوة غير مسبوقة، أدرجت الهيئة الوطنية الهولندية لمكافحة الإرهاب والأمن (NCTV) الكيان الإسرائيلي ضمن قائمة الدول التي تشكّل تهديدًا للأمن القومي الهولندي، إلى جانب إيران وروسيا وتركيا، بحسب تقرير رسمي حديث حمل عنوان “تقييم التهديدات من قِبل الجهات الفاعلة الحكومية”.
وبحسب الرئيس السابق لمؤتمر فلسطينيي أوروبا، أمين أبو راشد، يعكس التقرير تحوّلًا جوهريًا في مقاربة هولندا للتدخلات الخارجية، إذ يشير إلى ما وصفه بـ”محاولات التأثير الأجنبي على الرأي العام وصناع القرار”، معتبرًا أن الكيان الإسرائيلي لم يعد بمنأى عن هذه الاتهامات التي لطالما وُجهت لدول أخرى.
تراجع صورة الكيان الإسرائيلي في الأوساط الأوروبية
وبحسب ابو راشد، يرى مراقبون أن هذا التصعيد في اللهجة الرسمية الهولندية يعكس تراجع صورة الكيان الإسرائيلي في الأوساط الأوروبية، بعد سنوات طويلة من اعتباره “حليفًا مطلقًا”، ويأتي ذلك على وقع تصاعد الانتقادات الأوروبية للسياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي دفعت بعض العواصم الأوروبية لإعادة النظر في علاقاتها مع تل أبيب.
ويؤكد التقرير أن هذا الإدراج لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يعكس صراعًا أوسع بين احترام السيادة الوطنية ومواجهة الضغوط السياسية الخارجية، مما يجعله تطورًا محوريًا في علاقات أوروبا بالكيان الإسرائيلي، ويستدعي مراقبة دقيقة خلال المرحلة المقبلة.
يشار إلى أن إسرائيل تشن منذ 7 أكتوبر 2023 حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، أكثر من 199 ألف فلسطيني شهداء وجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.