يعمل الكاتب كجرّاح متطوع مع مؤسسة الإغاثة الطبية للفلسطينيين، ويكتب من مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة، حيث أجرى مؤخرًا عملية جراحية لمراهق يعاني من سوء تغذية حاد. يرقد رضيع يبلغ من العمر سبعة أشهر في وحدة العناية المركزة للأطفال، نحيلًا إلى حد أنّ الكاتب اعتقده مولودًا جديدًا. تنهار أجساد الأطفال أمام أعين الأطباء، بينما تعجز الفرق الطبية عن إنقاذهم.

ذكرت صحيفة الجارديان أن نِك ماينارد زار غزة ثلاث مرات منذ ديسمبر 2023، وشهد مجازر جماعية وأطلق تحذيرات بشأن المجاعة منذ يناير. لكن الوضع الراهن، حسب وصفه، يفوق كل ما سبق من حيث الفظاعة، حيث يُستخدم التجويع كسلاح ضد السكان.

يتدهور وضع المرضى يومًا بعد يوم، إذ يعجزون عن تحمّل الجراحات بسبب الضعف الشديد، وتنهار العمليات بعد إجرائها نتيجة الالتهابات الحادة. أربعة أطفال توفوا في الأسابيع الأخيرة، ليس بفعل القصف، بل بسبب الجوع. لا يتوفر حليب أطفال، والأمهات يفتقدن الغذاء الكافي للإرضاع. تُغذّى بعض الرضّع بمحلول سكري عديم الفائدة. وحتى المساعدات التي حاول الأطباء الأجانب إدخالها، صادرتها السلطات الإسرائيلية.

يحاصر الاحتلال دخول الغذاء، ويدفع الفلسطينيين للتوجّه إلى "نقاط توزيع عسكرية" محدودة في الجنوب. كانت غزة تضم أكثر من 400 نقطة توزيع قبل مايو، أما الآن فلم يبقَ سوى أربع مناطق تُعرّض الأهالي للخطر المباشر. يدخل مستشفى ناصر يوميًا عشرات الجرحى، كثير منهم مصابون بطلقات نارية أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. أُجريت عمليات لأطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا، قُتل أحدهم على الطاولة الجراحية بعد إصابته برصاصة في البطن.

يرصد العاملون في الطوارئ أنماط إصابة متكررة في مناطق معينة من الجسم، ما يشير إلى استهداف متعمد. نِك ماينارد أجرى عمليتين لامرأتين أصيبتا أثناء وجودهما في خيامهن القريبة من مواقع التوزيع. إحداهما كانت تُرضع طفلها، والثانية حامل. نجا كلاهما من الموت، لكن الواقعة كشفت هشاشة مفهوم "المناطق الآمنة" التي تتعرض لنيران إسرائيلية عشوائية.

يعاني الأطباء والممرضون أنفسهم من الجوع. فقدان الوزن صار مرئيًا بشكل واضح، ووصل ببعضهم إلى أكثر من 30 كيلوغرامًا. يضطر الطاقم الطبي إلى المجازفة بالتوجه إلى مواقع التوزيع بحثًا عن الطعام، رغم وعيهم بالخطر.

يُعد مستشفى ناصر آخر مؤسسة طبية كبرى تعمل في جنوب غزة، رغم تعرضه لهجمات سابقة، ويفتقد كل الموارد تقريبًا. يذكر الكاتب أن زميلًا له، ممرض غرفة العمليات، قُتل مع أطفاله الثلاثة خلال قصف خيمته. ويؤكد أن ما يجري في غزة وحشي وقابل للإيقاف.

يدعو الكاتب إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية عبر قنوات أممية، ورفع الحصار. يشير إلى أن الغذاء والدواء يقبعان على بعد أميال، بينما يُترك سكان غزة للموت جوعًا. ويحذّر من أن التواطؤ الدولي، خصوصًا من حكومات تدعم الاحتلال، سيسجّله التاريخ كوصمة عار.

من داخل مستشفى ناصر، يختتم نك ماينارد رسالته بالتأكيد أن ما يحدث متعمد، ويمكن منعه، ويجب وقفه الآن.

https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/22/gaza-israel-deliberate-starvation-ceasefire-aid