تشهد غزة كارثة إنسانية متفاقمة، حيث توفي 19 شخصًا على الأقل خلال 24 ساعة بسبب الجوع، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع المحاصر. يواصل الحصار الإسرائيلي الخانق منع دخول المساعدات، ما يهدد مئات الآلاف بالمجاعة، وسط قصف متواصل وتجويع منظم.
ووفقًا لتقرير تي آر تي، لم تُعلن الأمم المتحدة رسميًا حالة المجاعة رغم المؤشرات الواضحة، ويرجع ذلك إلى تعذر وصول الوكالات الأممية إلى القطاع بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على العمليات الإنسانية.
وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حذّرت من نقص حاد في الغذاء، وأكدت تلقيها "رسائل يائسة من مدنيين وموظفين محليين يطالبون بالطعام"، مشيرة إلى أن أسعار الغذاء ارتفعت أربعين ضعفًا. وثيقة مالية عرضتها الوكالة أظهرت أن كيلو السكر بلغ 100 دولار، بينما تتراوح أسعار الدقيق والأرز والعدس بين 23 و30 دولارًا للكيلو الواحد.
رغم توفر كميات كافية من الغذاء في مخازن الأونروا على مشارف غزة، إلا أن إدخالها ما زال ممنوعًا. ودعت الوكالة إلى رفع الحصار فورًا وضمان دخول المساعدات بشكل آمن وواسع. وتشير تقديرات مركز الإعلام الحكومي في غزة إلى أن 650 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعًا، في حين تعاني 60 ألف امرأة حامل من خطر صحي كبير بسبب نقص الغذاء والرعاية الطبية.
وزارة الصحة وصفت الوضع بـ"مجزرة صامتة"، محمّلة الاحتلال والمجتمع الدولي المسؤولية عن تدهور الأوضاع. وأكدت ضرورة إعادة فتح المعابر للسماح بدخول الغذاء والدواء، حيث أغلقت إسرائيل كافة المعابر منذ 2 مارس، مما سرّع من وتيرة تفشي المجاعة.
المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، شددت على أن الأطفال "لا يبدأون الحروب ولا يمكنهم إيقافها، لكنهم يعانون منها بشدة"، وأضافت أن أكثر من 6 آلاف طفل يعانون من سوء تغذية حاد في يونيو، بزيادة 180% مقارنة بشهر فبراير. كما حذرت من موت آلاف المصابين أو المرضى لعدم توفر الرعاية.
راسل دعت إلى استئناف عاجل وآمن لدخول المساعدات عبر جميع المعابر، قائلة: "نحن نخون أطفال غزة. فشلنا في حمايتهم هو خيانة لطفولتهم ولحقهم في الأمان والتعليم والصحة".
في ظل انسداد القنوات الأممية، ظهرت منظمات بديلة مثل "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل، لكنها واجهت اتهامات بالتسبب في مقتل نحو 900 فلسطيني خلال محاولتهم الوصول إلى مساعداتها، حسب الأمم المتحدة. هذه المجموعة بدأت العمل في غزة منذ مايو خارج مظلة الأمم المتحدة والمنظمات التقليدية.
المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أولغا تشيريفكو، وصفت الوضع قائلة: "الفلسطينيون لا يملكون خيارًا سوى المخاطرة بحياتهم للبقاء… لكنهم يُقابلون بالرصاص بدلًا من الغذاء". وأكدت أن المستشفيات تستقبل أعدادًا كبيرة من المصابين وهي تعاني من نقص حاد في الإمدادات.
ورغم كل التحذيرات، لم تُعلن المجاعة رسميًا. وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، يجب أن تتجاوز نسبة سوء التغذية الحاد 30%، وأن يموت أكثر من شخصين من كل 10 ألف يوميًا (أو 4 أطفال من كل 10 آلاف) لإعلان المجاعة. كما يعتمد الإعلان على تقييمات مشتركة بين الوكالات الإنسانية والحكومات، ما يصعب تحقيقه في ظل الحصار الإسرائيلي والوضع الأمني الخطير.
حتى مع توافر الشروط التقنية، قد تؤدي الاعتبارات السياسية إلى تأخير أو عرقلة الإعلان. فمجلس الأمن شهد مشاريع قرارات عدة بشأن وقف إطلاق النار والمساعدات، لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض خمس مرات، كان آخرها في يونيو 2025، اعتراضًا على مطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار ورفع الحصار عن دخول المساعدات، بحجة غياب شروط تتعلق بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
في ظل هذا الجمود السياسي، وبينما يعاني المدنيون في غزة من الجوع والقصف والخذلان، يبدو أن الأطفال، أكثر الفئات هشاشة، يدفعون الثمن الأكبر في صمت العالم.
https://trt.global/world/article/d6c9277b8d36