في مقال نشره موقع ميدل إيست آي، تشرح الكاتبة سمية الغنوشي أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على دمشق لم يكن مجرد غارة معزولة، بل تطبيق ممنهج لعقيدة إسرائيلية قديمة تقوم على تفتيت المنطقة وإضعاف دولها لفرض الهيمنة عليها.

استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية وزارة الدفاع السورية، والمقر العسكري، ومحيط القصر الرئاسي في قلب العاصمة، وليس في المناطق الحدودية أو مناطق النزاع. ورغم التذرع بحماية الأقلية الدرزية، يتضح أن الهدف لم يكن الحماية، بل استعراض القوة والإذلال العلني.

ضرب ساحة الأمويين، التي تُعد رمزًا للسيادة السورية والعزة العربية، جاء في توقيت مدروس أمام كاميرات الإعلام العربي والدولي. وظهر ذلك جليًا حين نشر وزير الدفاع الإسرائيلي مقطعًا لمذيعة سورية تهرب من الاستوديو أثناء القصف، كأن الهدف كان بث الرعب والإهانة.

توضح الكاتبة أن هذا الأسلوب ليس طارئًا، بل نابع من عقيدة إسرائيلية تعود لعقود، تسعى إلى فرض التفوق الإسرائيلي عبر تمزيق المجتمعات العربية من الداخل، كما فعلت في لبنان والعراق والسودان. ترى إسرائيل في سوريا الهدف الأهم ضمن هذه الاستراتيجية، لأنها بلد مجاور لفلسطين، وسكانه يرون القضية الفلسطينية جزءًا من وجدانهم التاريخي والجغرافي.

منذ سقوط نظام الأسد، كثّفت إسرائيل غاراتها على سوريا أكثر من أي وقت مضى، مستهدفة البنية العسكرية، ومستخدمة سياسة القصف الروتيني لتطبيع الانتهاك ومحاولة إلغاء السيادة السورية.

صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن "فكرة سوريا الموحدة لم تعد واقعية"، بينما قال محاضر عسكري: "يجب أن تختفي سوريا وتُستبدل بخمس كانتونات"، وأعلن وزير المالية سموتريتش: "لن يتوقف القتال حتى يُهجر مئات الآلاف من سكان غزة وتُقسّم سوريا".

ترجع الكاتبة هذه العقيدة إلى "عقيدة الأطراف" التي صاغها ديفيد بن جوريون في بدايات الدولة الإسرائيلية، وتهدف إلى تطويق العالم العربي بتحالفات مع قوى غير عربية كتركيا وإيران وإثيوبيا، مع استغلال الأقليات في الداخل العربي لتفكيك وحدته. وقد عبّر بن جوريون بوضوح عن نواياه التوسعية قائلاً: "لا حدود لطموحاتنا الصهيونية".

وفي ظل تغيرات المنطقة مثل خروج إيران من الفلك الغربي، وتقارب تركيا مع الفلسطينيين، طوّرت إسرائيل هذه العقيدة لتشمل محاولات تفتيت إيران وباكستان أيضًا. دعا بعض منظّري اليمين الإسرائيلي إلى تقسيم إيران بناءً على تركيبتها العرقية، وإنشاء تحالفات مع الكرد والبلوش والسنة لتفكيك الدولة، بل وناشدوا إدارة ترامب بتبني هذا النهج.

تربط الكاتبة بين هذا التوجه وسياسات إسرائيل في المنطقة، حيث تحوّلت "اتفاقيات أبراهام" من أدوات سلام إلى وسائل لتمكين إسرائيل اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا، وتحوّلها إلى مركز إقليمي تفرض عبره هيمنتها على الدول المجاورة. أعلن مسؤولون إسرائيليون أن على دول الخليج "أن تدفع" مقابل حمايتها من إيران وحماس.

لكن هذه العقيدة، كما ترى الغنوشي، قد تنقلب على أصحابها. توسع الهيمنة يصنع أعداء جدداً. تركيا، إيران، باكستان – دول كانت متباعدة – أصبحت ترى في إسرائيل تهديدًا وجوديًا. قصف غزة، وضرب دمشق، واستهداف بيروت وصنعاء وطهران، وحدت الشارع العربي والإسلامي بطريقة لم تحققها أي قمة سياسية.

تختم الكاتبة بأن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية، لا تستطيع رسم خريطة جديدة للمنطقة بالقوة، ولا تستطيع الصمت على معاناة شعوبها إلى الأبد. فذاكرة هذه الشعوب ليست جراحًا تُنسى، بل سلاحًا يُشهر، وتاريخها يثبت أنها قادرة على تجاوز الإمبراطوريات ومخططات الهيمنة، وأن ما تراه إسرائيل تفتيتًا قد يصبح توحيدًا للوعي والمصير في وجه مشروع الهيمنة ذاته.

https://www.middleeasteye.net/opinion/damascus-gaza-israels-doctrine-hegemony-fatal-flaw