توقّع تقرير بريطاني سقوط نظام الديكتاتور المصري الأسبق حسني مبارك قبل 17 عامًا من ثورة 25 يناير، وفقًا لوثائق بريطانية كشفتها "ميدل إيست مونيتور". التقرير أعدّه السفير البريطاني لدى مصر عام 1995، ديفيد بلازرويك، ووصف فيه مصر بأنها "تنجرف دون بوصلة"، محذرًا من أن المصريين "ينتظرون اللحظة المناسبة فقط للإطاحة بالحاكم الفرعوني".

أشار التقرير إلى أنّ بريطانيا دعمت نظام مبارك سياسيًا واقتصاديًا في التسعينيات، لكنها في الوقت نفسه أدركت هشاشته. شهدت تلك الفترة بعض التحسن الاقتصادي، خاصة بعد مشاركة مصر في حرب تحرير الكويت، ما أدّى إلى خفض ديونها الخارجية إلى 64% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق استقرار في العملة وانخفاض التضخم إلى أقل من 10%. كما تجاوزت الاحتياطيات الأجنبية 18 مليار دولار، وبدأ الجنيه المصري يُتداول بحرية لأول مرة.

لكن السفير لاحظ وجود مسارين متضادين: الانفتاح الكامل على السوق العالمي، أو توسّع حذر للقطاع الخاص تحت إشراف الدولة. وقد اختار مبارك "الجلوس على السور"، مترددًا في المضي قدمًا بسبب الخوف من الاضطرابات الاجتماعية. وعجز برنامج الخصخصة عن تحقيق نتائج، خصوصًا مع تفشي البطالة بين خريجي الطبقة الوسطى.

وصف بلازرويك المشهد السياسي بأنه متأزم، واعتبر مبارك حاكمًا يتخذ جميع القرارات بنفسه، تحيط به نخبة تحجبه عن النقد أو الأخبار السيئة. لم يظهر النظام أي تعاطف مع الفقراء، وفشل في تقديم أمل حقيقي لهم، في حين نال مبارك "مستوى من التملق من شأنه أن يدوّخ أقوى الرؤوس".

انتقد السفير هيمنة الحزب الوطني الديمقراطي على الحكم وتوزيع النفوذ، معتبرًا أن المعارضة القانونية صغيرة وضعيفة. وأشار إلى انتشار الفساد في الحكومة وعائلة مبارك، ما عزز من صعود الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، الذين حصدوا تأييدًا واسعًا في الشارع. توقع مراقبون أن الإخوان كانوا قادرين على الفوز بنسبة 25–30% في انتخابات نزيهة، لكن ولاء قطاعات واسعة للنظام والحاكم "الفرعون" أبقى الحزب الوطني مسيطرًا.

انقسمت آراء المصريين الذين تحدث معهم السفير بين من يرى أن البلاد قد تتحول إلى ديمقراطية ناضجة لو تخلى مبارك عن قبضته، وآخرين يعتقدون أن المصريين "لن يتغيروا أبدًا". لكن بلازرويك خالفهم، مؤكدًا أن "كل شيء صعب في مصر، لكن لا شيء مستحيل".

أمام مبارك خياران حسب التقرير: إما الانفتاح السياسي والاقتصادي دفعة واحدة وتحمل التبعات، أو اتباع نهج بطيء يخنق المعارضة تدريجيًا. ورجّح السفير أن يختار الأخير، معتبرًا أن مصر ليست بحاجة إلى مساعدات ضخمة، بل إلى تنمية حقيقية. رغم أن المعونة الأمريكية السنوية البالغة 2 مليار دولار شكلت أقل من 5% من الناتج المحلي، أقرّ مسؤولون مصريون بأن بلادهم أدمنت المساعدات.

حذر التقرير من إمكانية حدوث انقلاب عسكري إذا ازداد استياء الجيش من سياسات مبارك الاقتصادية أو تقاربه من أمريكا. ورغم افتقار بريطانيا وأمريكا لمعلومات دقيقة عن توجهات قيادات الجيش، أشار السفير إلى أن مبارك، كضابط عسكري سابق، يتفادى دائمًا استفزاز المؤسسة العسكرية.

على صعيد السياسة الخارجية، أدرك مبارك -كما معظم المصريين- أن لا بديل عن السلام مع إسرائيل، لكنهم ظلوا يشكّون في نواياها. رأى السفير أن المصريين يريدون أن تصبح إسرائيل "جارًا جيدًا"، لكنها في نظرهم تسعى للبقاء "قاعدة أمريكية" مهيمنة سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة. كما أبدى المصريون قلقًا من تراجع الدور الإقليمي لبلادهم.

رغم كل التحديات، شدّد التقرير على الأهمية الإستراتيجية لمصر. كتب السفير: "من الصعب تحقيق شيء في الشرق الأوسط دون مصر، وأكثر صعوبة إذا عارضت مصر ذلك". لهذا السبب، أوصى بدعم بقاء مبارك أو نظامه، باعتباره مصلحة بريطانية.

بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995، قدّمت بريطانيا دعمًا استخباراتيًا لمصر، وساعدتها في تعقب مصدر الأسلحة المستخدمة، وقدّمت تدريبًا وتعاونًا أمنيًا.

لكن تقارير الاستخبارات البريطانية حذّرت في الوقت نفسه من أن استمرار تجاهل الإصلاحات السياسية والاجتماعية سيقود إلى عدم الاستقرار لاحقًا، وهو ما وقع فعلاً. ففي انتخابات 2010، زوّر النظام النتائج ومنع المعارضة وعلى رأسها الإخوان، ما دفعهم لمقاطعة الإعادة، وأدى إلى موجة غضب شعبي مهّدت لثورة يناير 2011 التي أطاحت بمبارك.

https://www.middleeastmonitor.com/20250718-egyptians-move-against-pharaonic-regimes-at-the-good-moments-british-documents-predicted/