اعتبر الكاتب، وهو خبير في دراسات الإبادة الجماعية، أن ما يجري في غزة تجاوز حدود الجرائم المعتادة، ووصل إلى جريمة الإبادة الجماعية، استنادًا إلى تعريف الأمم المتحدة لسنة 1948، الذي يشترط وجود نية مبيتة لتدمير جماعة قومية أو دينية أو عرقية بشكل كلي أو جزئي.

بدأت الشكوك بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، حيث نفّذ الجيش الإسرائيلي ردًا عنيفًا على غزة. لكن بحلول مايو 2024، ظهر نمط واضح من العمليات العسكرية الإسرائيلية، يترافق مع تصريحات رسمية تعبّر عن نية واضحة في تدمير سكان القطاع. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعد بـ"ثمن باهظ"، ودعا سكان غزة إلى المغادرة لأن الجيش "سيضرب في كل مكان"، واستشهد بما فعله عماليق، وهو ما فسّره كثيرون على أنه تلميح لمحو جماعي.

في الوقت نفسه، وصف مسؤولون رسميون الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، ودعوا إلى "الإبادة التامة". دعا نائب رئيس الكنيست إلى "محو غزة من على وجه الأرض". هذه الأقوال اقترنت بأفعال عسكرية جعلت إعادة الحياة في القطاع شبه مستحيلة، مثل تدمير البنية التحتية الأساسية وحرمان السكان من الماء والغذاء والعلاج.

اعتبر الكاتب أن إسرائيل تسعى إلى تفريغ القطاع من سكانه بالقوة، أو إنهاكهم إلى حدّ العجز الكامل عن الاستمرار في الوجود الجماعي. هذا يرقى، في نظره، إلى تعريف الإبادة الجماعية، وهو رأي يشاركه فيه عدد متزايد من الخبراء، إضافة إلى منظمات مثل العفو الدولية، والمقررة الأممية الخاصة في الأراضي الفلسطينية، وفرنسا وبلجيكا وجنوب أفريقيا التي رفعت القضية أمام محكمة العدل الدولية.

حذّر الكاتب من أن الاستمرار في إنكار هذه الحقيقة سيقوّض منظومة القانون الدولي التي نشأت بعد الهولوكوست لمنع تكرار مثل هذه الجرائم، كما سيقوّض الأسس الأخلاقية التي تعتمد عليها الدول في علاقاتها.

في الواقع، لم تعد العمليات العسكرية الإسرائيلية تستهدف فصيلًا مسلحًا. فحماس التي نفذت هجوم أكتوبر قد تفككت إلى حد كبير، بينما تواصل إسرائيل تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والجامعات والمزارع والبنية التحتية. قدّرت صحيفة هآرتس تدمير 174 ألف مبنى، أي نحو 70٪ من منشآت القطاع، بينما بلغ عدد القتلى أكثر من 58 ألف، بينهم 17 ألف طفل، بحسب السلطات الصحية في غزة.

كما فقد أكثر من 2,000 عائلة جميع أفرادها، بينما لا يزال أكثر من 10 آلاف شخص تحت الأنقاض. وسُجّلت أعلى نسبة أطفال مبتوري الأطراف في العالم داخل غزة. جيل كامل من الأطفال يعاني اليوم من آثار نفسية وجسدية يصعب محوها.

ووصف الكاتب ما يجري بأنه "حملة تطهير عرقي تتحوّل إلى إبادة جماعية"، على غرار ما حدث مع الأرمن، أو في الهولوكوست الذي بدأ بالطرد وانتهى بالقتل الجماعي. أشار إلى أن بعض الشخصيات مثل وزير الدفاع السابق موشيه يعلون وصف ذلك صراحة بمحاولة تطهير غزة شمالًا.

أوضح أن المجتمع الإسرائيلي يعيش تحت خطاب دعائي يُشبّه حماس بالنازيين، ويصور جميع سكان غزة كأعداء محتملين. الإعلام المحلي يمارس رقابة ذاتية تحجب الجرائم عن أعين الإسرائيليين، مما يسمح للجيش بمواصلة القصف تحت شعار "الأكثر أخلاقية في العالم".

انتقد الكاتب صمت كثير من الباحثين في دراسات الهولوكوست، وقال إن هذا الصمت يفرغ شعار "لن يتكرر أبدًا" من معناه، ويحوّله إلى ذريعة لتبرير جرائم جديدة. في المقابل، أكد أن علماء الإبادة الجماعية باتوا أقرب إلى إجماع على تصنيف ما يحدث في غزة على أنه إبادة، مثل ويليام شاباس وميلاني أوبراين ومارتن شو.

عبّر الكاتب عن خشيته من أن تؤدي هذه الفجوة بين دراسات الهولوكوست ودراسات الإبادة إلى تقويض شرعية التذكير الجماعي بجرائم الماضي، وأن تُحوّل هذه الذاكرة من أداة للعدالة الإنسانية إلى مبرر للعنف.
 

https://www.nytimes.com/2025/07/15/opinion/israel-gaza-holocaust-genocide-palestinians.html