خرج وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ليعلن عن مشروع يحمل اسمًا مخادعًا: "المدينة الإنسانية".
هذا المخطط، الذي يستهدف إنشاء مدينة من الخيام على أنقاض رفح المدمّرة جنوب قطاع غزة، ليس سوى واجهة جديدة لسياسة التهجير القسري الجماعي لفلسطينيي القطاع، تحت غطاء "الرعاية الإنسانية"، في خطوة تكشف بوضوح النوايا التوسعية والعدوانية للاحتلال الإسرائيلي.
مخطط تهجيري مغطى بـ"الإنسانية"
بحسب ما كشفه كاتس ووسائل إعلام عبرية، فإن ما يسمى "المدينة الإنسانية" ستقام بين محورَي فيلادلفي (المعروف بصلاح الدين) و"موراغ" جنوب القطاع، لتتحول إلى مركز تجميع لنحو 600 إلى 700 ألف فلسطيني، تمهيدًا لما تزعم إسرائيل أنه "هجرة طوعية"، فيما يتضح من خرائط التسريبات أنها عملية تهجير قسري ممنهج.
تكشف هذه الخرائط المسربة، والتي عُرضت في مفاوضات الدوحة الجارية منذ أكثر من أسبوع، عن إبقاء الاحتلال لمدينة رفح بالكامل تحت سيطرته العسكرية، ما يعكس نوايا واضحة لاستكمال عملية الإفراغ السكاني لغزة.
وتتحدث هذه الخرائط عن الاستيلاء على مساحات تصل إلى 3 كيلومترات في عمق القطاع، بما يشمل مناطق كبيرة في بيت لاهيا وبيت حانون وخزاعة ومناطق أخرى شرق غزة، إضافة إلى 40% من مساحة القطاع يُمنع أهلها من العودة إليها.
الغيتو الجديد: محاصرون داخل خيام
المخطط لا يتوقف عند التهجير؛ بل يتضمن محاصرة من يُنقلون إلى المدينة الجديدة، عبر إخضاعهم لآلية "الفحص الأمني" ومنعهم من الخروج، على غرار ما يشبه "غيتو" محكم.
كل هذا يتزامن مع استمرار حرب الإبادة في بقية مناطق غزة، ما يعني أن المدينة ليست إلا أداة لخنق السكان داخل منطقة محدودة، لا تصلح للعيش، وتفتقر لأدنى مقومات الكرامة الإنسانية.
ويُذكّر هذا السيناريو بمشاريع إسرائيلية سابقة، مثل خطة "الجنرالات" و"عربات جدعون" وخطة "الفقاعات الإنسانية" التي تتعامل مع الفلسطينيين ككتل بشرية يجب احتواؤها في نقاط جغرافية مغلقة، خاضعة للمراقبة الكاملة، وقابلة للتفكيك أو الترحيل لاحقاً.
الدمار في رفح... الأرض المحروقة تمهيدًا للتهجير
رفح، التي تُقترح المدينة المزعومة على أنقاضها، دمّرت بشكل شبه كامل منذ اجتياح الاحتلال لها في 7 مايو 2024، رغم الموقف الأميركي والدولي الذي كان معارضًا للعملية في حينه.
إلا أن الاحتلال استمر في عملياته، رافضًا الانسحاب حتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
وفي الشمال، تتكرر المشاهد ذاتها. فقد دخلت شركات إسرائيلية خاصة لتنفيذ تدمير ممنهج للبنية التحتية، في محاولة لجعل المناطق غير قابلة للحياة، تمهيدًا لإجبار السكان على مغادرتها.
واللافت أن ما يحدث في خاني يونس ومناطق الوسط، يعكس النمط نفسه.
رفض فلسطيني قاطع... وقلق دولي باهت
الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، ترفض رفضًا قاطعًا هذا المشروع الذي ترى فيه استكمالاً لسياسة الإبادة والاقتلاع.
وتطالب الحركة، عبر وفدها المفاوض في الدوحة، بانسحاب الاحتلال من محور موراغ ووقف محاولات فرض الوقائع على الأرض.
كما أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بيانًا حذرت فيه من مخاطر المخطط، مؤكدة أن المشروع "لا يمت للإنسانية بصلة"، مشيرة إلى أنه نال انتقادات من المجتمع الدولي وحتى من أوساط إسرائيلية.
واعتبرت الوزارة أن وقف العدوان وتمكين الدولة الفلسطينية هو الطريق الوحيد لحماية الفلسطينيين وتحقيق العدالة لهم.
محللون: الاحتلال يستغل الصمت الدولي لتنفيذ التهجير
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم يرى أن المشروع يأتي ضمن سياق أوسع من التهجير والاستئصال، ويقول إن الاحتلال "يستغل الصمت الدولي وغياب الفعل العربي والدولي الجاد"، ويضيف أن خطة المدينة "امتداد للسياسات السابقة التي تنقل السكان من مناطق إلى أخرى داخل غزة، ثم تحاصرهم تمهيدًا لترحيلهم".
ويؤكد أن الفصائل تجد نفسها أمام خيارات محدودة، في ظل تراجع الزخم الدولي وتردد المواقف الغربية، موضحاً أن ما يُطرح من "مشاريع إنسانية" ليس سوى أدوات ضغط وابتزاز سياسي لإرغام الفلسطينيين على القبول بأمر واقع جديد.
القرا: اليمين الإسرائيلي يرى فرصة تاريخية للتهجير
الكاتب إياد القرا يرى أن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس ليس إلا "منفّذًا لتوجيهات نتنياهو"، وأن هذه الأفكار ليست جديدة عليه، إذ سبق أن طرح مشاريع وهمية من قبل.
ويضيف أن اليمين الإسرائيلي يرى فيما بعد 7 أكتوبر 2023 فرصة تاريخية لا يجب تفويتها لتهجير الفلسطينيين.
القرا يشير إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا ترغب في البقاء داخل غزة، لكن الحكومة تستخدم وجودها العسكري كورقة تفاوض، موضحًا أن إسرائيل فشلت في إدارة أربع نقاط توزيع مساعدات، "فكيف لها أن تدير مدينة تضم مئات آلاف النازحين؟".