نشر موقع ميدل إيست آي مقالًا للباحث ماتيو ريجوست، عرض فيه كيف صارت فلسطين ميدانًا عالميًا لاختبار تقنيات القمع والحرب، حيث تتبادل الأنظمة أدوات السيطرة وتتكيف مع المقاومة الشعبية من خلال تداول أساليب الحرب والمراقبة بين ساحات المعركة الاستعمارية والمراكز الإمبريالية.

أوضح الكاتب أن الاستعمار البريطاني لفلسطين منذ بدايته واجه مقاومة متواصلة، مما دفع سلطات الاحتلال إلى تطوير أدوات الحرب داخل المجتمعات، مثل الاعتقال الإداري والتعذيب والقتل الجماعي. خلال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936–1939)، استعان البريطانيون بضباط ذوي خبرة في قمع الثورات مثل تشارلز تيغارت، الذي بنى مراكز تعذيب وأسوارًا حدودية ونفّذ أساليب قمعية في فلسطين تشبه ما استخدمه في الهند وإيرلندا.

أنشأ الضابط البريطاني أوردي وينجيت ميليشيات ليلية من المستوطنين الصهاينة تُدعى "الفرق الليلية الخاصة"، مارست الهجمات العقابية على القرى الفلسطينية، وأسهمت هذه التشكيلات في تأسيس نواة الجيش الإسرائيلي لاحقًا.

أشار المقال إلى اقتباس إسرائيل لأساليب استعمارية فرنسية استخدمت في الجزائر وسوريا، مثل التعذيب الجماعي، والإعدامات الميدانية، وترحيل السكان، مما شكّل الأساس لجهاز الأمن الإسرائيلي، لكنه لم يفلح في القضاء على الصمود الفلسطيني.

يرى الكاتب أن إسرائيل بَنَت دولتها من خلال حرب استعمارية كلاسيكية تضمّنت تدمير قرى بأكملها وتهجير السكان وتنفيذ مذابح جماعية. واجه الضباط الإسرائيليون مقاومة دائمة، وردّوا بأوامر إبادة، مثل ما صدر خلال اجتياح حيفا عام 1948: "اقتل كل عربي تراه، وأحرق كل ما يمكن إشعاله".

في ستينيات القرن الماضي، أرسل الجيش الإسرائيلي ضباطًا رفيعين مثل يتسحاق رابين وحييم هرتسوغ إلى الجزائر، لمعاينة أساليب فرنسا في "مكافحة التمرد"، وشملت هذه الأساليب الجدران العازلة، التهجير القسري، السجون الجماعية، واستخدام الدعاية العسكرية المكثفة. ورغم قسوة هذه الوسائل، لم تقضِ على المقاومة الجزائرية، واستُخدمت لاحقًا ضد الفلسطينيين.

مع الوقت، تطوّرت التكتيكات الإسرائيلية. خلال الانتفاضة الثانية، أُطلقت عملية "السور الواقي"، فحوصرت مدينة جنين وقُصفت، لكنها لم تُسقط الانتفاضة. في المقابل، تحوّلت هذه العمليات إلى نماذج تُدرّس عالميًا في الأكاديميات الأمنية، واعتُمِدت كأساس في الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان.

اعتبر الكاتب أن نظام الاعتقال الجماعي العنصري – وهو ركيزة في التاريخ الاستعماري منذ معسكرات إسبانيا في كوبا وألمانيا في ناميبيا – استخدمته إسرائيل كأداة هندسة اجتماعية لإفراغ البيئة البشرية الفلسطينية، وتشكيل شخصيات الأسرى عبر القهر طويل الأمد. سجّنت إسرائيل آلاف الفلسطينيين دون محاكمة، وأحالت غزة إلى معسكر اعتقال مفتوح.

ورغم ذلك، لم تنكسر المقاومة. يعيد الفلسطينيون تنظيم أنفسهم باستمرار، داخل الجدران وخارجها.

وصف الباحثة لاله خليلي فلسطين بأنها "مختبر مثالي لمكافحة التمرد العالمية"، واعتبر الباحث جيف هالبر إسرائيل دولة أمنية تقوم على حرب دائمة ضد المدنيين. يتبنّى جيشها استراتيجيات مثل "القتل المباشر بالرأس"، و"تفوق التصعيد"، حيث يُستخدم العنف المفرط عمدًا لترويع الخصم. تندرج هذه المبادئ ضمن ما يُعرف بـ"الردع التراكمي".

باعت إسرائيل هذه "الخبرات" في معارض السلاح العالمية بوصفها أدوات مجربة ضد الشعب الفلسطيني. فصارت التقنيات القمعية سلعة في اقتصاد أمني عالمي، وتحوّلت مأساة فلسطين إلى مصدر ربح لصناعة الحرب.

منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، شغّلت إسرائيل ماكينة الإبادة بأقصى طاقتها في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى"، فقصفت غزة بلا هوادة، مُستخدمة تقنيات تعود جذورها إلى الاستعمار، مثل تجويع السكان ومنع المساعدات. استخدمت الذكاء الاصطناعي لأتمتة القتل الجماعي، وجعلت المذابح أكثر سرعة وفعالية.

قصف الطائرات، الذي بدأ في ليبيا عام 1911، عاد بأشكال أكثر تطورًا. قصفت إسرائيل المدارس والمستشفيات ومراكز الإغاثة، وفرضت سياسة "التحكم في الغذاء والموارد"، كما فعلت بريطانيا في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة في الفلبين وفيتنام. استخدمت إسرائيل الأسلحة الكيماوية مثل الفسفور الأبيض والغازات السامة، كما استخدمت فرنسا وإسبانيا غازات الخردل ضد مقاومة الريف المغربي، والولايات المتحدة النابالم في فيتنام.

رغم كل هذا، لم تنجح الآلة الاستعمارية في كسر إرادة المقاومة. بقيت فلسطين رمزًا للثبات في وجه القهر، مثلما كانت هايتي والجزائر وفيتنام. عبر الحدود، صار اسمها يُلهب التضامن الدولي، ويؤكد أن المقهورين لا يقاتلون فقط للبقاء، بل للتحرر أيضًا.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-genocidal-war-draws-on-western-colonial-techniques