أعلن البيت الأبيض، أمس الاثنين، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقّع أمرًا تنفيذيًا ينهي بموجبه العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في خطوة مفاجئة اعتُبرت تحولًا في السياسة الأميركية تجاه دمشق.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن القرار سيدخل حيز التنفيذ ابتداءً من اليوم الثلاثاء، مشيرة إلى أن رفع العقوبات لا يشمل الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، أو مساعديه، أو تنظيم الدولة، وكذلك "وكلاء إيران"، الذين ستظل العقوبات الأميركية مفروضة عليهم.
وفي تصريحات عقب التوقيع، أكد ترامب أن هذا القرار يخدم "أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، معربًا عن التزام بلاده بدعم "سوريا موحدة ومستقرة تعيش في سلام داخلي ومع جيرانها".
وأضاف الرئيس الأميركي أن رفع العقوبات "يزيل إحدى العقبات الرئيسية أمام تعافي الاقتصاد السوري"، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع "اتخذت خطوات إيجابية" أسهمت في تغيير المشهد السوري خلال الأشهر الستة الماضية. وأوضح أن القرار يشمل السماح بتصدير سلع معينة إلى سوريا، في خطوة لرفع الحظر المفروض على قطاعات محددة.
وفي السياق ذاته، صرّحت ليفيت بأن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود واشنطن لدعم المسار السياسي نحو الاستقرار والسلام في سوريا.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، أن رفع العقوبات يمثل "فرصة حقيقية لانفتاح سوريا على المجتمع الدولي"، مؤكدًا أنه "يفتح الباب لبدء عملية إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها".
وفيما يتعلق بالجانب المالي، قال القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة الأميركية، إن القرار سيعيد سوريا تدريجيًا إلى النظام المالي الدولي، في حين أشار مسؤولون أميركيون إلى أن الأمر التنفيذي يتضمن توصية بمراجعة تصنيف سوريا كـ"دولة راعية للإرهاب"، تمهيدًا لإعادة تقييم موقف واشنطن من النظام السوري في ضوء المستجدات الأخيرة.
وقالوا إن للكونجرس سلطة إلغاء "قانون قيصر"، لكن الأمر التنفيذي يبحث في معايير بشأن تعليق القانون، مشيرين إلى أن هذا الأمر يوجه وزارة الخارجية لاتخاذ إجراءات مناسبة بشأن تصنيف هيئة تحرير الشام.
كما قالوا، إن الأمر التنفيذي ينهي حالة الطوارئ بشأن سوريا التي أعلن عنها لأول مرة عام 2004، والتي فرضت بموجبها عقوبات شاملة على دمشق، مما أثر على معظم المؤسسات التي تديرها الدولة ومنها البنك المركزي.
تحسن الليرة
ويقول الخبير في الاقتصاد السوري الدكتور يحيى السيد عمر: "إن رفع العقوبات قد يمهد لتعافي العملة، لكن من جانب آخر قد يخفض من قيمة العملة في الوقت الحالي، لأنه اليوم أصبح بمقدور الدولة السورية طباعة العملة في أوروبا لا سيما في سويسرا والنمسا، ودخول كميات نقدية إلى السوق قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة".، وفقًا لـ"الجزيرة نت"
ويضيف أن السعر الحالي لليرة سببه نقص الكتلة النقدية في السوق، ويؤكد أن التحسن الحقيقي لليرة مرتبط في الإنتاج والتصدير، وتقليل الاستيراد، وهذا الشيء ما زال غير موجود.
ويتابع السيد عمر أنه إذا حصلت سوريا على مساعدات مالية مقيمة بالدولار أو دخول استثمارات، فمن الممكن أن تشهد العملة تحسنا.
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي السوري، عبد العظيم المغربل، أن انعكاس رفع العقوبات على سعر صرف الليرة في هذه المرحلة يفهم كمؤشر مركّب لما يُسمّى في علم الاقتصاد بتوقّعات السوق أو "توازن التوقّعات"، حيث يؤدي رفع العقوبات إلى تحوّل جذري في سلوك الفاعلين الاقتصاديين من حالة الترقب السلبي إلى الانخراط الإيجابي. وهذا الانخراط -حسب المغربل- يتجلّى بانخفاض طلب المضاربين على الدولار، وتراجع ظاهرة الاكتناز بالعملة الأجنبية، وعودة الثقة بالعملة المحلية كأداة للادخار والمعاملات.
تأثيرات فورية وأخرى على المدى المتوسط
يقول السيد عمر إن نتائج رفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن سوريا سيظهر بعضها بشكل فوري والآخر على المدى المتوسط.
ويؤكد أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد السوري خلال سنة واحدة انتعاشا ملموسا في كافة المؤشرات.
أما المغربل، فيتوقع أن تشهد التحويلات الخارجية انتعاشا نتيجة لخفض درجة المخاطر المرتبطة بإرسال الأموال إلى سوريا، وتحسّن القدرة على استخدام القنوات المصرفية النظامية.
وهذا التدفق النقدي، وإن كان مصدره غير إنتاجي، يُشكّل في هذه المرحلة عنصرا محوريا في دعم ميزان المدفوعات وتعزيز القدرة الشرائية للمواطن، حسب المغربل.
سوريا أكثر جاذبية للمستثمرين والتجارة
يمثل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا نقطة تحول محتملة في جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب. فبعد سنوات من العزلة الاقتصادية والمخاطر العالية، تفتح هذه الخطوة الباب أمام فرص استثمارية جديدة في سوق يحتاج بشدة إلى رأس المال والخبرات الأجنبية.
ويقول إبراهيم ناجي قوشجي، الخبير الاقتصادي والمصرفي: إن "رفع العقوبات عن سوريا يمثل نقطة تحول أساسية. سينتقل الاقتصاد السوري من التفاعل مع الاقتصادات النامية إلى الاندماج مع اقتصادات أكثر تطورا، مما قد يعيد تشكيل علاقات التجارة والاستثمار بشكل كبير".
من جهته يؤكد السيد عمر أن سوريا أصبحت أكثر مرونة بشأن عمليات الاستيراد والتصدير، واستعادة الأموال المجمدة، وتشجيع الاستثمار والتجارة.
أما المغربل فيؤكد أن التجارة الخارجية لسوريا ستبدأ في التوسّع مجددا، مع التوجّه لإعادة تموضعها التجاري الإقليمي، خاصة في أسواق العراق والأردن ولبنان، وربما لاحقا الخليج وشمالي أفريقيا.
ويقول إن إزالة القيود المالية ورفع الحظر عن التعاملات البنكية سيسمح بعودة الصادرات السورية تدريجيا إلى أسواقها التقليدية، خصوصا في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية والمنتجات الزراعية، مما يسهم في تحسين الميزان التجاري وتقليص العجز في الحساب الجاري.
ويرى المغربل في رفع العقوبات أنها بمثابة استعادة الثقة بالاستثمار، سواء من الداخل أو من الخارج، حيث إن الانفراج في البيئة القانونية والمالية، وعودة الحوافز الاستثمارية المرتبطة بالضمانات الدولية أو التعاون مع مؤسسات مالية تنموية، سيجعل من المناخ الاستثماري في سوريا أكثر جاذبية، خصوصا ضمن قطاعات البنية التحتية، والخدمات، والطاقة.
ويتوقع المغربل أن يشهد السوق السوري تدفق شركات من الدول المجاورة ومن الجاليات السورية في الخارج، مستفيدة من فجوة العرض الكبيرة والفرص الواعدة.
ويؤكد السيد عمر أن الاستفادة من رفع العقوبات يحتاج لجهود سورية لتحديث وتطوير البيئة الاستثمارية للبلاد، من خلال تبني إجراءات مثل الإعفاءات الضريبية، لأن الشركات العالمية تبحث عن بيئة آمنة ومستقرة وحوافز وضمانات.
ويقول أسامة الصيفي، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة الخدمات المالية (تريزا) Traze: إن "إزالة العقوبات الأميركية هي إشارة حاسمة للتمويل العالمي، ومن المرجح أن تشجع رأس المال من الدول العربية وتركيا وربما الشركات الأميركية والصينية".
ومن المتوقع أن تشهد إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا منافسة بين الشركات الأميركية والأوروبية، في حين يعد قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، من أكثر القطاعات جاذبية لهذه الشركات.
ويؤكد أسامة الصيفي أن سوريا تحتاج إلى تحديث شامل لبنيتها التحتية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما يفتح فرصا واعدة للشركات المتخصصة.
تفعيل النظام المصرفي
يعتقد الباحث الاقتصادي المغربل أن رفع العقوبات عن المصارف الحكومية السورية سيمكنها، عبر نظام "سويفت"، من تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، مما يقلل من التكاليف ويزيد من الكفاءة، ويعزز من قدرتها على تقديم خدمات مالية متقدمة للمواطنين والشركات، إضافة إلى دعم دورها في تمويل المشاريع التنموية، الأمر الذي يساهم في تحسين السيولة وتوسيع قاعدة العملاء وتنشيط الاقتصاد وزيادة معدلات التنمية.
لكن بالمقابل، يرى المغربل أن إعادة تفعيل "سويفت" يتطلب تحديث البنية التحتية التقنية للمصرف المركزي، بما يشمل أنظمة الأمان والامتثال للمعايير الدولية.
كما يستوجب ذلك -حسب المتحدث ذاته- تدريب الكوادر على التعامل مع المعايير الجديدة لضمان فعالية العمليات المصرفية، وهذا التحديث يعزز من قدرة المصرف على إدارة الاحتياطيات النقدية والتواصل مع البنوك المراسلة.