تحلل مؤسسة كارينجي في هذا المقال واقع الأمن الجماعي في الشرق الأوسط بعد الحرب بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، مؤكدة أن هذه المواجهة دفعت المنطقة نحو حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار. إسرائيل، بدعم من واشنطن، استخدمت تفوقها العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي لتوجيه ضربات موجعة لإيران، استهدفت منشآت نووية وقادة عسكريين وعلماء، في حين احتفظت طهران بصواريخ وطائرات مسيّرة وبعض الميليشيات الإقليمية، مما مكّنها من الرد باستهداف قواعد أميركية وتهديد حركة الملاحة في الممرات الحيوية.
يبدو أن توازن القوى يميل بشكل واضح لصالح إسرائيل، لكن السؤال الأساسي يبقى: هل التفوق العسكري يحقق الأمن؟ فغياب التوازن قد لا ينتج استقرارًا، بل يدفع أطرافًا مثل إيران نحو تصعيد غير محسوب، خاصة بعد تآكل صورتها كقوة إقليمية وازنة. هذا السياق يخدم رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لفرض شكل جديد من "السلام بالقوة"، قائم على الهيمنة العسكرية وفرض الشروط بدلًا من التفاوض.
تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى استثمار هذا التفوق بأربع طرق، ثلاث منها تتعلق بالقضية الفلسطينية: القضاء على حقوق الفلسطينيين من خلال الاستيطان والتهجير، والسعي للتطبيع مع الدول العربية دون أي اعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ورفض مبدأ الأرض مقابل السلام. أما الهدف الرابع فهو تفكيك القدرات النووية والعسكرية الإيرانية بينما تحتفظ إسرائيل بترسانتها النووية.
وسط هذا المشهد، تظهر قوى إقليمية مثل السعودية ومصر وتركيا وقطر والإمارات كقوى متوسطة تحاول إحداث توازن. منذ 7 أكتوبر 2023، سعت هذه الدول إلى وقف التصعيد في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، واستخدمت الوساطة والدبلوماسية لإنهاء الحرب على غزة، وطرحوا رؤية جديدة للأمن الجماعي يمكنها كبح جماح المغامرات العسكرية لكل من إسرائيل وإيران.
قبل اندلاع الحرب الثلاثية، دعمت مصر خطة إعادة إعمار غزة، وأيدتها الجامعة العربية وتركيا. عمل الوسطاء المصريون والقطريون على إعادة الهدوء بين إسرائيل وحماس، وإيصال المساعدات إلى القطاع. السعودية، بالشراكة مع فرنسا، اقترحت العودة إلى مفاوضات سلام من خلال تحالف دولي لدعم حل الدولتين. كما حاولت الدول العربية وتركيا إرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن السلام الحقيقي لا يأتي إلا بالتعاون، وليس عبر الإملاء أو القوة.
في الوقت نفسه، أبلغت هذه الدول إيران بضرورة مراجعة سياساتها الإقليمية، إذ إن استخدام الوكلاء لفرض النفوذ يهدد الاستقرار ويقوّض فرص الأمن الجماعي. حتى على المستوى الأميركي، سعت هذه القوى إلى إقناع إدارة ترامب بالمشاركة في جهود بناء السلام، لكنها لم تجد تجاوبًا كافيًا.
مع اندلاع الحرب، تراجعت كل بوادر الدبلوماسية الجماعية. الدول العربية أدانت الهجمات الإسرائيلية على إيران، واعتبرت الرد الإيراني دفاعًا عن النفس، لكنها لم تعلق على الضربات الأميركية. وعندما قصفت إيران قاعدة أميركية في قطر، جاء الرد العربي والتركي بالإدانة الفورية. لكن الإدانة وحدها لم تفضِ إلى تحرك دبلوماسي فاعل.
أصبح واضحًا أن هذه الدول لم تعد قادرة على دفع مسار الأمن الجماعي وسط تفوق إسرائيل، وحضور إيران كقوة جريحة قابلة للانفجار، وانفراد الولايات المتحدة باتخاذ القرارات دون اعتبار للشركاء الإقليميين. إلغاء أو تأجيل اجتماع التحالف الدولي لدعم حل الدولتين عكس هذه الأزمة في المشهد السياسي الإقليمي.
إسرائيل تواصل استعراض قوتها، وإيران تحاول لملمة خسائرها، والإدارة الأميركية تتصرف بطريقة أحادية. في ظل هذا الواقع، تبدو جهود الدول العربية وتركيا لاستعادة دورها في التسوية والتعددية الدبلوماسية مشلولة. هذا التعثر لا يشكّل خسارة للمنطقة فقط، بل للعالم الذي يحتاج إلى تهدئة ونزع فتيل التوتر، لا إلى مزيد من الصراعات المفتوحة.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/06/iran-israel-us-war-collective-security-middle-east?lang=en