صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، من عملياته البرية والجوية في شمال قطاع غزة، متوغلاً للمرة الأولى منذ بدء الحرب في قلب بلدة جباليا والنزلة الواقعتين شمالي مدينة غزة، في هجوم دموي بات يُنظر إليه كجزء من سياسة الإبادة الممنهجة التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023.
 

عملية عسكرية موسعة وتكتيكات جديدة
   ترافق التوغل الجديد مع قصف جوي ومدفعي مكثف، استهدف مناطق مأهولة بالسكان، مع إصدار أوامر إخلاء فورية للعائلات، الأمر الذي تسبب بحالة من الذعر الجماعي وسط المدنيين.

وقال شهود عيان إنّ القصف طال منازل لعائلات بأكملها منها نصر والنجار وسعد الله والسرساوي، مؤكدين أنّ طائرات مسيّرة من نوع "كواد كابتر" كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة بين الأزقة، وهو ما يزيد المخاوف من تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة أو توجيه ضربات بالغة الخطورة في بيئة مكتظة.

وكثف جيش الاحتلال من اتصالاته الهاتفية المباشرة والمُسجّلة مع سكان المناطق المستهدفة، يأمرهم فيها بإخلاء منازلهم فوراً، محذراً من أن المنطقة باتت "ساحة عمليات قتالية شديدة".
 

جباليا تحت النار لأول مرة منذ يناير
   بحسب المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، فإن العملية تشمل أحياء النهضة، الروضة، وشمال التفاح ضمن البلوكات 1797 حتى 1817، مطالباً السكان بالتوجه جنوباً نحو منطقة "المواصي" القريبة من خان يونس، والتي تُصنّف اليوم كواحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالنازحين داخل غزة.

وتمثل هذه العملية العسكرية أول توغل فعلي في قلب جباليا البلد منذ يناير الماضي، عندما توقفت عمليات الإبادة مؤقتاً في سياق ما عُرف حينها بـ"خطة الجنرالات".

ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، فإنّ الفرقة 162 تقود الهجوم الجديد الذي يُنظر إليه كخطوة نحو تنفيذ مراحل متقدمة من خطة "عربات جدعون"، والتي بدأ تطبيقها في مايو وتشمل تضييق الخناق على سكان القطاع عبر توسيع السيطرة النارية والضغط على التجمعات المدنية.
 

مجاعة ونزوح قسري وأوضاع كارثية
   شهود العيان ومصادر محلية أكدوا أنّ السكان في جباليا يعانون من مجاعة وعطش شديدين، وسط حصار ناري يمنعهم من التحرك نحو مناطق أكثر أمناً.
ويجبر القصف المستمر المدنيين على التكدس داخل البيوت، حيث يتجمع العشرات في كل منزل، مما يحول كل قذيفة أو صاروخ إلى مجزرة محتملة.

وبينما تدعي سلطات الاحتلال أن عملياتها تستهدف ما تصفه بـ"البنية التحتية للمقاومة"، فإن المعطيات الميدانية تفيد بأنّ الاستهداف العشوائي والممنهج للمنازل والبنى التحتية المدنية يرقى إلى جرائم حرب، وسط صمت دولي مطبق.
 

خطة تهجير بغطاء عسكري
   
المراقبون يرون أن الاحتلال لا ينفذ فقط عمليات عسكرية، بل يستكمل فصول خطة تهجير قسري واسعة النطاق، تسعى لتركيز أكبر عدد ممكن من سكان غزة في مناطق ضيقة جنوب القطاع، تمهيداً لتنفيذ مراحل متقدمة من "صفقة القرن"، التي تُتهم حكومة بنيامين نتنياهو بمحاولة فرضها بالقوة على الأرض، على وقع المجازر وتفكيك المجتمع الغزّي.

ويأتي ذلك بالتزامن مع توسع عمليات الاحتلال في بيت لاهيا، حي الشجاعية، الزيتون، والتفاح، بالإضافة إلى محاور في خانيونس، ضمن هندسة جغرافية تستهدف السيطرة الكاملة على القطاع وتقسيمه إلى مربعات خانقة.
 

أرقام صادمة للخسائر البشرية
   
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان بلغت حتى مساء امس الثلاثاء 56,077 شهيداً و131,848 جريحاً، في وقت سجل فيه شهرياً آلاف الضحايا بسبب وتيرة القصف المكثفة.
أما منذ منتصف مارس فقط، فتم تسجيل 5,759 شهيداً و19,807 إصابة، مما يكشف عن تصعيد غير مسبوق في سياسة الإبادة.