أرسلت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التابعة لوزارة الإسكان، خطابات رسمية إلى شركات التطوير العقاري والاستثمار الزراعي، تُخطرها فيها بتفعيل قرار رئاسي جديد يفرض رسوماً باهظة على استخدام الأراضي الممتدة على جانبي طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، تحت مسمى "مقابل تحسين"، لصالح وزارة الدفاع.

وبحسب الخطاب الرسمي، فقد قرر عبد الفتاح السيسي فرض رسم قدره 1500 جنيه عن كل متر مربع من الأراضي الواقعة في الشريحة الأولى حتى عمق 1 كيلومتر على جانبي الطريق الذي تديره شركة الطرق الوطنية التابعة للقوات المسلحة، وتتدرج قيمة الرسم إلى 750 جنيهاً للشريحة من 1 إلى 3 كيلومترات، و500 جنيه من 3 إلى 7 كيلومترات.
وأكدت الهيئة أن القرار يسري فقط عند تغيير النشاط إلى عمراني.

ويشمل القرار أيضاً محور الضبعة من تقاطعه مع طريق الإسكندرية الصحراوي حتى الطريق الدائري الأوسطي، على مسافة تصل إلى 30 كيلومتراً، إضافةً إلى تحصيل 15 ألف جنيه عن كل فدان زراعي على جانبي الطريق نفسه، و7,500 جنيه للفدان على جانبي طريق وادي النطرون – العلمين.
 

تخصيص ضخم للجيش.. من حامي الأرض إلى مالكها
   اللافت في القرار أن الأراضي المعنية، والتي تبلغ مساحتها وفق البيانات الرسمية نحو 14,784 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل أكثر من نصف مساحة لبنان، سبق أن خُصصت لصالح القوات المسلحة بموجب قرارات جمهورية سابقة.
أبرز هذه القرارات صدر في يناير 2023، وجرى فيه تخصيص كيلومترين على جانبي 31 طريقاً رئيسياً لصالح وزارة الدفاع، مما حول الجيش إلى أكبر مالك محتمل لأراضي التطوير العمراني في البلاد.

وسبق ذلك أيضاً قرار في مايو 2016، تضمن تخصيص الأراضي الصحراوية على جانبي 21 طريقاً من شبكة الطرق القومية للوزارة نفسها، باعتبارها "أراضي ذات أهمية استراتيجية".
 

ضغوط على المستثمرين وامتيازات خاصة للجيش
   يرى خبراء في شؤون الأراضي والتخطيط العمراني أن هذه الخطوة ستفرض أعباء إضافية على المستثمرين، خصوصاً في ظل التراجع العام في سوق العقارات وضعف القوة الشرائية.
كما تُثير الخطوة تساؤلات عن تنازع المصالح بين المؤسسة العسكرية والهيئات المدنية، بعدما تحولت ملكية الأراضي الكبرى القابلة للتنمية إلى يد جهة واحدة تحت غطاء "الملكية الاستراتيجية".

كما يُمنح الجيش امتيازات غير مسبوقة، أبرزها تحصيل 50% من الرسوم مقدماً دون فوائد، وتقسيط النصف الآخر على ثلاث سنوات، وهو ما يعزز موقعه كمستثمر مهيمن ومُشرّع في آن واحد.
 

الآثار الاقتصادية والاجتماعية
   يرى اقتصاديون أن القرار سيزيد من تكلفة الاستثمار العمراني والزراعي على حد سواء، وسينعكس على أسعار الأراضي والمشروعات العقارية، ويدفع الشركات إلى إعادة حساباتها في مشاريعها المستقبلية، خاصة أن الأراضي الواقعة ضمن القرار تشمل مناطق حيوية مثل الشيخ زايد والسادس من أكتوبر غرب القاهرة، ومناطق طولية على امتداد طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي البالغ طوله 164 كيلومتراً.

ويأتي هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ركود حاد في سوق العقارات، وتراجع في معدلات النمو، وسط شكاوى من شح الأراضي المطروحة من الدولة للتنمية، وغلاء تكاليف الترفيق.
 

خريطة ملكية جديدة.. ومركزية القرار بيد المؤسسة العسكرية
   القرارات الجديدة تُعيد رسم خريطة ملكية الأراضي وتعزز من مركزية السيطرة في يد المؤسسة العسكرية التي لم تعد فقط مشرفة على الأمن والبناء، بل باتت اليوم أكبر مُنسق، ومُخطط، ومُستفيد مالي من بيع واستغلال الأراضي.

وإذا استمر هذا الاتجاه، بحسب بعض المحللين، فإن الدولة ستجد نفسها عاجزة عن تنفيذ مشاريع تطوير عمراني مدني مستقل، من دون المرور أولاً من بوابة وزارة الدفاع.