في تصريح أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والأكاديمية، قال الصحفي اليهودي المقيم في ألمانيا "مارتن جاك" إن مشروع "إسرائيل الكبرى" لا يهدف فقط إلى التوسع الجغرافي، بل يتعدى ذلك إلى محو منطقة الشرق الأوسط بأكملها ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، جاء هذا التصريح خلال مقابلة مطولة أجراها مع صحيفة دويتشه فيله الألمانية في 15 يونيو 2025.

 

مارتن جاك.. مشروع توسعي وإيديولوجي

قال جاك: "ما نشهده ليس مجرد سياسة عدوانية أو احتلال مستمر، بل خطة ممنهجة لإعادة تشكيل المنطقة برمتها، لصالح رؤية تلمودية قديمة تؤمن بأن هذه الأرض يجب أن تكون لليهود فقط".

وأشار إلى أن هذه الرؤية تتلاقى مع صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لم يعد يخفي نواياه في ضم الضفة الغربية بالكامل، ومناطق من جنوب لبنان وسوريا وحتى سيناء.

وأضاف أن "التطبيع العربي لم يكن إلا تمهيدًا لهذا المشروع، عبر تحييد أكبر عدد ممكن من الأنظمة، وكسر الروح الشعبية الرافضة للاحتلال".

 

حقائق ومؤشرات على الأرض

•    في عام 2023، ارتفعت ميزانية الجيش الإسرائيلي بنسبة 13% لتصل إلى 23.4 مليار دولار، وهو ما اعتبره مراقبون تمهيدًا لمرحلة توسعية جديدة.

•    تصاعد بناء المستوطنات بنسبة 19% خلال الفترة من 2022 إلى 2024، وفق بيانات Peace Now.

•    توسعت الهجمات على غزة والضفة منذ 2023، مع زيادة وتيرة الاعتداءات على المسجد الأقصى، مما زاد من وتيرة المواجهات وعمّق الشرخ بين الفلسطينيين والاحتلال.

 

ردود الفعل الدولية والعربية

ردّ الأكاديمي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة على تصريحات جاك في حوار مع قناة الجزيرة مباشر بتاريخ 17 يونيو 2025، قائلاً: "ما ذكره مارتن جاك ليس مفاجئًا لمن يقرأ الواقع بعيون غير مخدّرة بالدبلوماسية إسرائيل الكبرى ليست مجرد حلم، بل مشروع مدعوم أمريكياً ومُصان خليجياً".

أما السياسي الأردني البارز ليث شبيلات، فقد علّق على صفحته في "إكس" (تويتر سابقًا): "إسرائيل لا تخطط لمحو العرب فحسب، بل لإعادة تشكيل الجغرافيا بما يتناسب مع رواية توراتية استعمارية، وما قاله جاك هو تحذير من الداخل يجب ألا يُستهان به".

 

المؤرخون الإسلاميون والعرب.. تحذير مبكر وتأكيد على الرؤية الدينية

قال الدكتور عبد العزيز كامل، الباحث في الفكر الإسلامي، إن ما ذكره الصحفي اليهودي يؤكد ما حذّر منه العلماء منذ عقود، حين أشاروا إلى أن المشروع الصهيوني ليس سياسيًا فقط بل عقديّ في جوهره.
وفي مقال له نُشر في موقع "المجتمع" بتاريخ 18 يونيو 2025، كتب: "هذه ليست مؤامرة، بل خطة موثقة في أدبيات صهيونية واضحة، من وعد هرتزل إلى مذكرات بن غوريون".

وأكد الدكتور راغب السرجاني، أستاذ التاريخ الإسلامي، في ندوة نظمها "منتدى الوعي" في إسطنبول يوم 20 يونيو 2025، أن الحدود الجغرافية المقترحة في مشروع "إسرائيل الكبرى" تشمل أجزاء من العراق ومصر والسعودية، استنادًا إلى الخرائط التي روّج لها منظرو الحركة الصهيونية منذ القرن العشرين.

يرى الباحث الألماني من أصل سوري، فادي عيسى، في مقاله المنشور بمجلة Foreign Policy Analysis أن تصريحات جاك تشكّل نقطة تحوّل في كشف طبيعة الخطاب الداخلي الإسرائيلي، قائلاً: "الحديث عن إبادة ثقافية للمنطقة، يعني أننا بصدد مرحلة أخطر من مجرد صراع حدود".

أما على صعيد المجتمع العربي، فقد رصدت مؤسسة الباروميتر العربي في استطلاع أُجري في مايو 2025، أن 71% من العرب يعتقدون أن التطبيع مع إسرائيل لم يحقق أي مكاسب، بل أضرّ بالقضية الفلسطينية وفتح المجال أمام مزيد من الاعتداءات.

 

ماذا يعني هذا التحذير للعالم العربي؟

يرى محللون أن تصريحات جاك تمثل تحذيرًا من داخل الدائرة الغربية، بما يعكس وجود تيارات فكرية في أوروبا بدأت تدرك خطورة التوسع الإسرائيلي، ليس فقط على الفلسطينيين، بل على استقرار المنطقة والعالم.

لكن في المقابل، يزداد تواطؤ بعض الأنظمة العربية، التي اختارت الصمت أو الشراكة الاقتصادية، على حساب الأمن القومي، مما يجعل من أي مواجهة مستقبلية مع المشروع الإسرائيلي أمرًا أعقد وأخطر من ذي قبل.

يرى المحللون أن مشروع "إسرائيل الكبرى" ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لرؤية صهيونية تأسست منذ عقود، تهدف إلى إقامة دولة تمتد من نهر النيل غرباً إلى نهر الفرات شرقاً، تشمل عدة دول عربية.
هذه الرؤية تتجسد في سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى للتوسع خارج حدود فلسطين التاريخية، وهو ما يؤكده تصاعد العمليات العسكرية والسياسية التي تستهدف دول الجوار.

السياسيون الإسرائيليون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يمنحون المشروع خلفية دينية وتلمودية، مما يزيد من حدة التوتر ويجعل من المشروع هدفاً عقائدياً وليس فقط سياسياً.

كما أشار الدكتور عطية في مقابلة حديثة إلى أن التوسع الإسرائيلي يعتمد على التدمير المنهجي والاحتلال التدريجي، معتبراً أن إسرائيل تستغل كل فرصة للتمدد على حساب الدول العربية المجاورة.

 

التداعيات الإقليمية

تتمثل التداعيات في زيادة حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تؤدي السياسات الإسرائيلية إلى تصعيد النزاعات المسلحة، كما حدث في لبنان وسوريا وفلسطين. تدخل حزب الله في سوريا ولبنان، ومقاومة الفصائل الفلسطينية، تعكس ردود فعل على محاولات التوسع الإسرائيلي التي تهدد الأمن القومي العربي.

كما أن المشروع يثير مخاوف دولية من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى صراعات إقليمية واسعة، خاصة مع التوترات بين إسرائيل وإيران التي وصلت إلى حدود استعدادات عسكرية، كما كشفت تقارير عن خطط أمريكية محتملة لمهاجمة إيران في سياق الصراع الإقليمي.

الدكتور مأمون أمين زكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ممفيس الأمريكية، يرى أن المشروع الصهيوني نجح في تأسيس دولة إسرائيل، لكنه يعتقد أن فكرة "إسرائيل الكبرى" بدأت تتراجع بعد سلسلة من الهزائم العسكرية والانتفاضات الفلسطينية، والانسحابات من لبنان وقطاع غزة، مما يدل على محدودية قدرة إسرائيل على تحقيق هذا الحلم التوسعي بالكامل.

في المقابل، الكاتب الصحفي التركي سلجوق تورك يلماز يشير إلى أن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي لا يمكن فهمه إلا في سياق الدعم الاستعماري البريطاني والأمريكي الذي مكّن إسرائيل من التوسع واحتلال الأراضي العربية.

من جهة أخرى، فقد حذر أسامة بن لادن في مقابلة عام 1998 من خطط صهيونية لتوسيع إسرائيل لتشمل شبه الجزيرة العربية، معتبرًا ذلك دافعًا لشن الحرب ضد أمريكا وحلفائها.

مشروع "إسرائيل الكبرى" ليس مجرد حلم يميني عابر، بل هو مشروع قائم على عقيدة توسعية تستند إلى مزيج من الدين والسياسة والتاريخ، تداعيات هذا المشروع تتجاوز حدود فلسطين لتشمل المنطقة بأكملها، مما يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، رغم بعض الهزائم والتراجع في بعض الفترات، يبقى المشروع حاضراً في السياسات الإسرائيلية، مدعوماً بخلفيات دينية وسياسية، ويثير قلقاً عميقاً لدى الشعوب والدول العربية، بالإضافة إلى تحذيرات من أكاديميين وسياسيين على المستوى الدولي.

فتصريحات الصحفي اليهودي مارتن جاك تمثل ضوءًا أحمر على لوحة الصمت العربي الرسمي، وتنذر بتحول الصراع العربي الإسرائيلي من قضية قومية إلى صراع وجودي، يستهدف ليس فقط الأرض، بل الوعي، والهوية، والسيادة.

والسؤال الآن: هل يتحرك العرب، شعوبًا ونخبًا، قبل أن يصبح الشرق الأوسط مجرد ذكرى في خرائط "إسرائيل الكبرى"؟