في 10 يونيو 2025، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أنه تم تنفيذ 266 ألف وحدة سكنية ضمن مشروع "المليون وحدة سكنية" خلال العام المالي 2023/2024، في إطار ما وصفه المسؤولون بـ"جهود الدولة لتوفير سكن كريم للمواطنين".

لكن هذا الرقم المعلن يصطدم بواقع معيشة ملايين المصريين الذين لا يلمسون أي تحسن حقيقي في أزمة الإسكان أو في تراجع أسعار الإيجارات والعقارات، ما يطرح تساؤلات جدية حول شفافية المشروع وفاعليته الاقتصادية والاجتماعية.

 

مشروع "المليون وحدة سكنية".. أرقام

أُطلق مشروع "المليون وحدة سكنية" في 2014 بشعار "لكل مواطن شقة"، واستهدف بناء مليون وحدة سكنية على مدار عدة سنوات للفئات ذات الدخل المحدود، لكن بعد مرور أكثر من 10 سنوات، تشير تقارير غير حكومية إلى أن المشروع لم يحقق أهدافه الفعلية، بل تمحور حول أرقام إعلامية دون مردود اجتماعي حقيقي.

فبحسب تقرير صادر عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في ديسمبر 2024، فإن أقل من 22% من الوحدات السكنية المعلنة تصل فعليًا إلى المحتاجين الحقيقيين، في حين تذهب النسبة الأكبر إلى موظفين أو جهات حكومية أو تُعرض بأسعار لا تناسب الفقراء.

 

أرقام وإنجازات رسمية

بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة، بلغ إجمالي الوحدات المنفذة في مشروع الإسكان الاجتماعي 266.9 ألف وحدة حتى الآن، منها 58.2 ألف وحدة تم تنفيذها خلال العام المالي 2023/2024 فقط.

وقد تم تنفيذ هذه الوحدات عبر جهات متعددة منها الجهاز المركزي للتعمير، مديريات الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، باستثمارات تجاوزت المليارات.

كما أعلنت وزارة الإسكان عن إنشاء أكثر من مليون وحدة سكنية خلال السنوات التسع الماضية، بتكلفة إجمالية تجاوزت 607 مليارات جنيه، شملت الإسكان الاجتماعي، المتوسط، والفاخر، مع بناء 48 مدينة جديدة على مستوى الجمهورية.

ومن بين هذه المدن العاصمة الإدارية الجديدة، العلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، التي تستهدف استيعاب عشرات الآلاف من السكان وتوفير فرص عمل جديدة.

 

الشروط والمواعيد

صرحت مي عبد الحميد، الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، أن الدولة تستهدف رفع عدد وحدات الإسكان الاجتماعي إلى مليون وحدة بحلول عام 2024، مع طرح 100 ألف وحدة لفئات الدخل حتى 6 آلاف جنيه شهرياً، و25 ألف وحدة لفئة الدخل حتى 9 آلاف جنيه، بالإضافة إلى 125 ألف وحدة لفئات الدخل الأعلى، بأسعار مناسبة وشروط تمويل ميسرة تصل إلى 20 سنة بفائدة 8% فقط.

وأضافت عبد الحميد أن الشروط تتضمن دفع 15% من ثمن الوحدة كدفعة مقدمة، وتقسيط الباقي على 3 سنوات أثناء فترة الإنشاء، مع تسليم الوحدات بعد الانتهاء من البناء، مشيرة إلى وجود إقبال كبير على المدن الجديدة، وخاصة في الصعيد.

 

من يستفيد من هذه الوحدات؟

تشير دراسات اقتصادية إلى فجوة واسعة بين المستهدف من المشروع والمستفيد الحقيقي. الباحث الاقتصادي د. هاني توفيق وصف في تصريح له لقناة "بي بي سي" في مارس 2024 المشروع بأنه "تحول من مشروع اجتماعي إلى مشروع استثماري مغلق"، مشيرًا إلى أن الأسعار المطروحة تتجاوز قدرة 60% من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أو قربه، وفقًا لإحصائيات البنك الدولي.

كما أن شروط الحصول على الوحدة تتضمن دفع مقدم لا يقل عن 15% من سعر الوحدة (ما يعادل 100 ألف جنيه تقريبًا)، مع إثبات دخل ثابت وأوراق رسمية، ما يُقصي شريحة واسعة من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشمل قرابة 40% من قوة العمل في مصر.

 

جدل حول العدالة في التوزيع

يرى المعارضون أن مشروع المليون وحدة السكنية لا يعكس سياسة إسكان عادلة، ففي حين تفتقر محافظات مثل الفيوم، أسيوط، وسوهاج إلى مساكن ملائمة، تركزت غالبية الوحدات في المدن الجديدة كـ"حدائق العاصمة" و"بدر" و"العاصمة الإدارية"، حيث يُعاد إنتاج طبقية عمرانية جديدة تحت ستار التنمية.

وفي هذا السياق، أكد النائب السابق محمد أنور السادات أن المشروع "تحول إلى ذريعة لتبرير التوسع في استثمارات عقارية موجهة للطبقة فوق المتوسطة، بينما يُترك المواطن البسيط يواجه عجزًا حقيقيًا في السكن".

 

الأرقام المعلنة مقابل الواقع

رغم إعلان تنفيذ 266 ألف وحدة خلال عام 2023/2024، إلا أن معدلات التوزيع الفعلي للمستحقين لم تتجاوز 40 ألف وحدة فقط، وفقًا لبيانات شبه رسمية نُشرت في تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط في مايو 2025.

كما تشير نفس المصادر إلى أن ما يزيد عن 50 ألف وحدة من المنفذة لم تُسكن بعد بسبب ضعف الإقبال أو تعثر التمويل البنكي للمتقدمين.

وفي الوقت ذاته، تستمر أسعار الإيجارات في الارتفاع، حيث وصل متوسط الإيجار الشهري لشقة متوسطة في القاهرة الكبرى إلى 4500  جنيه في بداية 2025، بزيادة أكثر من70% عن عام 2019، بحسب موقع "عقار ماب".

 

أين تذهب الأموال؟ وماذا عن الفساد؟

يشير تقرير أعدّه الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله (يناير 2025) إلى أن التمويل الضخم لمشروعات الإسكان لم يخضع لرقابة شعبية أو برلمانية فعالة، وأن الجهات المنفذة – وعلى رأسها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة – لا تنشر بيانات تفصيلية عن العقود والتكلفة الفعلية.

وتساءل ذكر الله: "إذا تم صرف أكثر من 350 مليار جنيه على مشروعات الإسكان كما تعلن الحكومة، فلماذا لا يلمس المواطن الفقير سوى المزيد من الأعباء؟". كما أكد أن غياب الشفافية فتح الباب أمام شبهات فساد في تخصيص الأراضي والمناقصات.

يبدو أن مشروع "المليون وحدة سكنية" تحوّل إلى أداة سياسية لتجميل صورة النظام أكثر منه مشروعًا تنمويًا حقيقيًا يحقق العدالة الاجتماعية، فالأرقام المعلنة لا تصمد أمام الفجوة المتزايدة بين ما يُبنى وبين ما يُسكن، وبين ما يُعلن وبين ما يُلمس.

ويبقى السؤال مفتوحًا: لماذا لا يرى المواطن هذه "الإنجازات" على أرض الواقع؟ وهل تكون الأرقام بديلاً عن العدالة والتنمية الحقيقية؟